تدليس المكثر...
بسم اللَّه والصلاة والسلام علىٰ رسول اللَّه وعلىٰ آله وصحبه ومن ولاه، وبعد:
قال الخطيب البغدادي في الكفاية:
( أخبرنا أبو نعيم الحافظ، ثنا محمد بن أحمد بن الحسن، ثنا بشر بن موسىٰ، قال: قال عبد اللَّه بن الزبير الحميدي: وإن كان رجل معروفًا بصحبة رجل والسماع منه:
مثل ابن جريج، عن عطاء، أو هشام بن عروة، عن أبيه، وعمرو بن دينار عن عبيد بن عمير
ومن كان مثل هؤلاء في ثقتهم ممن يكون الغالب عليه السماع ممن حدث عنه، فأدرك عليه أنه أدخل بينه وبين من حدث رجلًا غير مسمىٰ، أو أسقطه، ترك ذلك الحديث الذي أدرك عليه فيه أنه لم يسمعه، ولم يضره ذلك في غيره، حتىٰ يدرك عليه فيه مثل ما أدرك عليه في هذا، فيكون مثل المقطوع )
هذا إسناد صحيح
وفي هذا الكلام تفصيل جليل من الحميدي رحمه اللَّه، والبعض يرد مثل هذا أي قبول عنعنة المدلس عمن أكثر عنه بدعوىٰ أن هذا المدلس المكثر:
قد دلس بعض الأحاديث عمن أكثر عنه، وهذا من الجهل، فإن هذا ممّا لا يدفع الأصل ولا يزيله بالكلية أصلًا
فالإكثار يوجب قبول عنعنته إذ يغلب عليه السماع فهذا الأصل فأمّا ما جاء بخلاف ذلك فإنّما عرفناه لمعارض دلنا علىٰ خلاف الأصل:
فإذا لم يوجد معارض فالأصا باقٍ بلا معارض فيعمل به
ومن أمثلة تدليس المكثر عمن أكثر عنه مثلًا ما ذكره عبد اللَّه بن أحمد في العلل فقال:
( حدثني أبي قال: حدثنا هشيم، عن الأعمش، عن أبي وائل، عن عبد اللَّه قال: كنا لا نتوضأ من الموطئ
سمعت أبي يقول: هذا لم يسمعه هشيم من الأعمش، ولا الأعمش سمعه من أبي وائل )
وقال ابن أبي حاتم في مقدمته:
( ٣٨٥ - نا صالح، نا علي سمعت يحيىٰ يقول: قال سفيان: حديث الأعمش عن أبي صالح - الإمام ضامن - لا أراه سمعه من أبي صالح )
أقول: الأعمش مكثر عن أبي صالح السمان وعن أبي وائل شقيق بن سلمة ومع ذلك فقد دلس عنهما بعض الأحاديث:
وهذا كما قلنا لا يضر فالأحاديث الأخرىٰ التي لم يثبت فيها معارض - وذلك إمّا بتصريح الأعمش بالواسطة في إحدىٰ الروايات أو بنص إمام عارف علىٰ أنه دلس -:
تقبل وإن عنعن لعلة الإكثار والملازمة
فعنعة الأعمش عن أبي وائل في صحيح البخاري، وعنعنته عن أبي صالح في صحيح مسلم، وكذا عنعنته عن أبي الضحىٰ في صحيح مسلم
ومثل هذا يقال في أبي إسحاق السبيعي أيضًا كروايته عن أبي الأحوص، وكذلك في غير أبي إسحاق كابن جريج عن عطاء - علىٰ أنه صرح بأنه إذا حدث عنه فقد سمعه -، وكالأعمش عن إبراهيم النخعي
وكقتادة عن أنس رضي اللَّه عنه، وكسعيد بن أبي عروبة عن قتادة
فهذا وصل اللهم وسلم علىٰ نبينا محمد
تعليقات
إرسال تعليق