الجهمي واصف ربه بالباطل أبدًا...
بسم اللَّه وبه أستعين والصلاة والسلام علىٰ رسول اللَّه، وبعد:
قال أبُو سعيدٍ الدارمي في نقضه علىٰ المَرِيسي [١٥٩ - ١٦٠]:
" فَيُقَالُ لَكَ أَيُّهَا المَرِيسِيُّ المُدَّعِي فِي الظَّاهِرِ لَما أَنْتَ لَهُ مُنْتَفِن فِي البَاطِنِ:
قَدْ قَرَأْنَا القُرْآنَ كَمَا قَرَأْتَ، وَعَقِلْنَا عَنِ اللَّه أَنَّهُ لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ، وَقَدْ نَفَيْنَا عَنِ اللَّه مَا نَفَىٰ عَنْ نَفْسِهِ، وَوَصَفْنَاهُ بِمَا وَصَفَ بِهِ نَفْسَهُ، فَلَمْ نَعْدُهُ
وأَبَيْتَ أَنْ تَصِفَهُ بِمَا وَصَفَ بِهِ نَفْسَهُ، وَوَصَفْتَهُ بِخِلَافِ مَا وَصَفَ بِهِ نَفْسَهُ
أَخْبَرَنَا اللَّهُ فِي كِتَابِهِ أَنَّهُ ذُو سَمْعٍ وَبَصَرٍ، وَيَدَيْنِ، وَوَجْهٍ، وَنَفْسٍ، وَعِلْمٍ، وَكَلَامٍ، وَأَنَّهُ فَوْقَ عَرْشِهِ فَوْقَ سَمَاوَاتِهِ
فَآمَنَّا بِجَمِيعِ مَا وَصَفَ بِهِ نَفْسَهُ كَمَا وَصَفَهُ بِلَا كَيفَ وَنَفَيْتَهَا أَنْتَ عَنْهُ كُلَّهَا أَجْمَعَ بِعَمَايَاتٍ مِنَ الحُجَجِ، وَتَكْيِيفٍ
فَادَّعَيْتَ أَنَّ وَجْهَهُ: كُلُّهُ، وَأَنَّهُ لَا يُوصَفُ بِنَفْسٍ، وَأَنَّ سَمْعَهُ: إِدْرَاكُ الصَّوْتِ إِيَّاهُ، وَأَنَّ بَصَرَهُ: مُشَاهَدَةُ الأَلْوَان:
كَالجِبَالِ وَالحِجَارَةِ وَالأَصْنَامِ الَّتِي تَنْظُرُ إِلَيْكِ بِعُيُونٍ لَا تُبْصِرُ، وَأَنَّ يَدَيْهِ: رِزْقَاهُ، مُوَسَّعُهُ وَمَقْتُورُهُ، وَأَنَّ عِلْمَهُ وَكَلَامَهُ: مَخْلُوقَانِ مُحْدَثَانِ
وَأَنَّ أَسْمَاءَهُ: مُسْتَعَارَةٌ مَخْلُوقَةٌ مُحْدَثَةٌ، وَأَنَّ فَوْقَ عَرْشِهِ مِنْهُ مِثْلَ مَا هُو فيَ أَسْفَلِ سَافِلِينَ، وَأَنَّهُ فِي صِفَاتِهِ، كَقَوْل النَّاس فِي كَذَا، وكَقَوْل العرب فِي كَذَا
تَضْرِبُ لَهُ الأَمْثَالَ تَشْبِيهًا بِغَيْرِ شَكْلِهَا، وَتَمْثِيلًا بِغَيْرِ مِثْلِهَا، فَأَيُّ تَكْيِيفٍ بأَوْحَشَ مِنْ هَذَا إِذْ نَفَيْتَ هَذِهِ الصِّفَاتِ، وَغَيْرَهَا عَنِ اللَّهِ تَعَالَىٰ بِهَذِهِ الأَمْثَالِ وَالضَّلَالَاتِ المُضِلَّاتِ
وَادَّعَيْتَ فِي تَأْوِيلِكَ أَنَّ مَعْبُودَكَ أَصَمُّ لَا يَسْمَعُ، أَبْكَمُ لَا يَتَكَلَّمُ، أَعْمَىٰ لَا يُبْصِرُ، أَجْذَمُ لَا يَدَ لَهُ، مُقْعَدٌ لَا يَقُومُ وَلَا يَتَحَرَّكُ، جَاهِلٌ لَا يَعْلَمُ، مُضْمَحِلٌّ ذَاهِبٌ لَا يُوصَفُ بِحَدٍّ، وَلَا بِنَفْسٍ، وَلَا يُدْرَكُ بِحَاسَّةٍ فِي دَعْوَاكَ. “
هذه الكلام من أحسن الحِجاج وهذه القاعدة المذكورة من أهم القواعد نفعًا
فالجهمي أبدًا واصفٌ اللَّهَ بالباطل في حين تعطيله صفةً من صفات اللَّه سبحانه وتعالىٰ عما يفترون
والأشاعرة كذلك يدخلون في هذا الكلام صراحةً
فلا أثبتوا سمعًا ولا بصرًا فعليًّا وهذا حقيقته أنه سبحانه امتنع عليه سماع الحوادث والمخلوقات أو إبصارها: فشبهوه بالأعمىٰ والأبكم تعالىٰ عما يصفون
وشبهوه بالمعدوم الذي لا يهتدي إليه أحد وبالمفقود الذي لا يُعلم مكانه إذ قالوا: ليس هو بداخل في العالم ولا هو بخارج عنه
وهذا هو العدم ولو طلبنا فارقًا بين العدم وبين ما كان ذاك وصفه لم نجد فارقًا
وشبهوه بالمقعد المشلول الذي لا يسعه التحرُّك ولا الإقبال والإتيان ولا النزول ولا الصعود، واللَّه المستعان
ومتقدمي الأشعرية وإن كانوا أحسن حالًا من متأخريهم إذ قد أثبتوا وجهًا ويدًا وعينين إلا أنهم ما سلموا
فهم يثبتون يدًا مشلولة لا قبض فيها ولا بسط ولا فعل فيها أبدًا، ولا يثبتون لليد صورة ولا هيئة
وقد أثبت الباقلاني اليدين بلا صورة ولا هيئة لهما
ويثبتون وجهًا قبيحًا لا صورة له جميلة فلا يُتلذذ بالنظر إليه
وقد أثبت البيهقي وجهًا بلا صورة في كتابه: الأسماء والصفات
ويثبتون عينًا كعين الأعمىٰ لا إبصار بها ولا رؤية إذ قد نفوا الإبصار الفعلي
وقد أثبت البيهقي عينين بلا حدقة بزعمه في كتابه: الأسماء والصفات، وهذا إثبات بدعي
والذي يُبطل طريقة الكلابية في إثبات الصفات أنها طريقة مبتدعةٌ محدثةٌ مناقضةٌ لظواهر النصوص، وفيها تناقض
فأنت إذا استدللت بالنص علىٰ الوجه مثلًا فينبغي أن تثبته كما أثبته النص بأنه وجه جليل كريم ذو جمال وصورة حسنة
فأما الاحتجاج بالنص علىٰ صفة الوجه دون الاحتجاج به علىٰ طريقة إثباتها فهذا تناقض
وبعض من يرىٰ إثبات متقدمي الأشعرية للصفات الذاتية كالوجه وغيره يظنهم علىٰ السلفية في تلك الصفات
وليس الأمر كذلك فإثبات الكلابية الذي أخذه متقدمي الأشاعرة يختلف عن إثبات أهل السنة لما فيه من الخلل والتضاد البين
واللَّه العالم، وصل اللهم وسلم علىٰ نبينا محمد
تعليقات
إرسال تعليق