هل تثبت صفة البشبشة؟

بسم اللَّه الودود الرحيم وبه أقصد وأستعين والصلاة والسلام علىٰ رسوله الرؤوف الرحيم، وبعد:

قال الإمام أحمد في المسند:

” ٨٣٥٠ - حَدَّثَنَا أَبُو النَّضْرِ، وَابْنُ أَبِي بُكَيْرٍ، عَنِ ابْنِ أَبِي ذِئْبٍ، عَنْ سَعِيدٍ الْمَقْبُرِيِّ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ يَسَارٍ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - ﷺ -:

لَا يُوَطِّنُ - قَالَ ابْنُ أَبِي بُكَيْرٍ: لَا يُوَطِّنُ - رَجُلٌ مُسْلِمٌ الْمَسَاجِدَ لِلصَّلَاةِ وَالذِّكْرِ، إِلَّا تَبَشْبَشَ اللَّهُ بِهِ حَتَّى يَخْرُجَ، كَمَا يَتَبَشْبَشُ أَهْلُ الْغَائِبِ بِغَائِبِهِمْ، إِذَا قَدِمَ عَلَيْهِمْ ”

أقول: هذا الحديث ثابت عن ابن أبي ذئب، ولكنه معلول بالشذوذ إذ قد خالفه غيره فيه

وذاك أن الليث رواه، فزاد في الإسناد رجلًا مجهولًا

قال الدارقطني في العلل: ”ورواه الليث بن سعد، عن المقبري، عن ابْنِ عُبَيْدَةَ، أَوْ أَبِي عُبَيْدَةَ، عَنْ أَبِي الْحُبَابِ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، وَزَادَ فِي الْإِسْنَادِ رَجُلًا مَجْهُولًا.

وَرَوَاهُ قُتَيْبَةُ بْنُ سَعِيدٍ، عَنْ لَيْثٍ، عَنِ الْمَقْبُرِيِّ، عَنْ أَبِي الْحُبَابِ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، وَلَمْ يَذْكُرْ بَيْنَهُمَا أَحَدًا.

وَالصَّحِيحُ عَنِ اللَّيْثِ الْقَوْلُ الْأَوَّلُ.”

وهذا الرجل أعني أبا عبيدة مجهول علىٰ الصحيح فقد جهله الدارقطني علىٰ سعة اطلاعه

ولو كان أبو عبيدة هو ابن عبد اللَّه بن مسعود لبَعُد جدًّا أن يجهله مثل الدارقطني سلام اللَّه ورضوانه عليه

فإن قيل: ما يدفعك عن القول بأن سعيدًا المقبري رواه علىٰ الوجهين، فلا تنقض رواية الليث رواية ابن أبي ذئب حينئذٍ خصوصًا أنهما أثبت الناس فيه؟

قيل: هذا المسلك ليس من مسالك أئمة العلل، بل الصواب أن رواية ابن أبي ذئب شاذة 

فإنه إن كان رواه عن سعيد بن يسار بنفسه، فلِمَ يرويه بواسطة عن سعيد مرة أخرىٰ ولا يكتفي بالرواية الأولىٰ؟ 

قال مسلم في التمييز: ”وَقد ذكرنَا رِوَايَة الْكُوفِيّين حَدِيث ابْن عمر فِي سُؤال جِبْرِيل النَّبِي ﷺ عَن الإيمان والإسلام 

وَقد أوهموا جَمِيعًا فِي إسناده إذ انْتَهوا بِالْحَدِيثِ إلىٰ ابْن عمر حُكيَ ذَلِك من حُضُور رَسُول اللَّه ﷺ حِين سَأَلَهُ جِبْرِيل عَلَيْهِ السَّلَام

وإنما روىٰ ابْن عمر عَن عمر بن الْخطاب أَنه هُوَ الَّذِي حضر ذَلِك دون أَن يحضرهُ ابْن عمر، وَلَو كَانَ ابْن عمر عاين ذَلِك وَشَاهده لم يجز أَن يحكيه عَن عمر ”

فلم يصحح كلا الوجهين بل رجح زيادة أهل البصرة إذ كانوا هم الأحفظ

وكذلك لا نصحح كلا الوجهين بل نرجح رواية الليث إذ هو الأحفظ والأثبت في سعيد المقبري

فما ذكره الشيخ مقبل الوادعي رحمه اللَّه في كتابه المسند الصحيح مما ليس في الصحيحين من أن الأمر محمول علىٰ الوجهين فيه نظر 

وإنما تُحتَمل الرواية علىٰ الوجهين بأن يروي الراوي الحديث عن الشيخ ثم يرويه عن شيخ أخر أو يرويه عن الشيخ ثم عن رجل عنه هذا إنما يحتمل في سياقات ضيقة يعرفها الأئمة 

وذلك إن كان الراوي من علية الحفاظ وتنوعت المخارج عنه من كلا الوجهين فإن كان هذا فذاك وإلا فيُرجَح أحد الوجهين ويعل الآخر إذ لو كان الأمر علىٰ الوجهين لاكتُفِيَ بإحداهما عن ذكر الآخر

 واللَّه العالم، وصل اللهم وسلم علىٰ نبينا محمد

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

الخلاف في صفة الهرولة...

دلالة الحس علىٰ الخالق وصفاته وأفعاله...