هل كل الملائكة علىٰ عظمة الخلق والجمال...

 بسم اللَّه والصلاة والسلام علىٰ رسول اللَّه وعلىٰ آله وصحبه ومن ولاه، وبعد:

فقد قال بعضهم بعظمة خلق الملائكة مطلقاً كما حصل لبعض من صنف في أركان الإيمان، ومنهم أبو الأشبال الزهيري

فقال في شرحه لصحيح مسلم - عفىٰ اللَّه عنا وعنه -:

( الملائكة من حيث الخلق أعظم خلقاً من الآدميين، يعني: أكبر حجماً طولاً وعرضاً من الآدميين )

ثم استدل بما جاء من وصف زبانية جهنم وعظمة خلق جبريل وحملة العرش عليهم السلام

وهذا كله لا يستقيم لأنّ الكلام عن المجموع لا عن بعض الأفراد، وحكم بعض الأفراد لا يلزم منه نفس الحكم علىٰ البعض الأخر في مثل هذا

وهذا باب غيبي محض فسبيل القياس فيه لا يتأتىٰ 

فالصواب أن نتوقف وألا ننسب عظمة الخلق لهم بالمجموع إلا بدليل 

وقد قال ابن مندة في الرد علىٰ الجهمية / ٢٢٧:

( ٣٣- (٧٧) أخبرنَا مُحَمَّد بن الْحُسَيْن الْقطَّان، ثَنَا أَبُو الْأَزْهَر النَّيْسَابُورِي، ثَنَا صَدَقَة بن سَابق، قَالَ: قَرَأت علىٰ مُحَمَّد بن إِسْحَاق حَدثنِي هِشَام بن عُرْوَة، عَن أَبِيه، عَن عبد اللَّه بن عَمْرو قَالَ: سمعته يَقُول: 

خلق اللَّه الْمَلَائِكَة، ثمَّ قَالَ: ليكن مِنْكُم ألف أَلفَيْنِ، فيكونون، فَإِن فِي الْمَلَائِكَة لخلقاً هم أَصْغَر من الذُّبَاب )

وحال ابن إسحاق معروفة فيقال: قد حفظ هذا الحديث لأنَّ المتن استُوعِبَ جيدًا منه، وعلىٰ فرض غير ذاك فقد روىٰ السلف الأثر بلا نكير مما يدل علىٰ صحة الأمر عندهم 

قال عبد اللَّه بن أحمد في السنة:

” ١٣٤ - حدثني وهب بن بقية الواسطي سمعت وكيع بن الجراح يقول: القرآن اللَّه عز وجل ليس بمخلوق 

قال وهب: لو لم يكن رأيي ما حدثت به ”

هذا الأثر يدل علىٰ أن تحديث السلف بالأثار التي هي عن غيب لا يكون إلا لصحة المعنىٰ عندهم 

وأمّا المسألة الثانية وهي جمال الملائكة

فقد قال بها أيضاً أبو الأهوال الزهيري وجعلها لمجموع الملائكة فقال في شرحه لمسلم:

( خلق اللَّه تبارك وتعالىٰ الملائكة علىٰ أحسن صورة وأجملها، كما قال تعالىٰ عن جبريل عليه السلام: {علمه شديد القوى * ذو مرة فاستوى} ...

وقد تقرر عند الناس أنّهم يصفون الجميل بأنه ملك من الملائكة، كما ذكر في قصة صواحب يوسف عليه السلام أنّهن قلن: {فلما رأينه أكبرنه وقطعن أيديهن وقلن حاش للَّه ما هذا بشرا إن هذا إلا ملك كريم} ... )

فأمّا استدلاله بجمال جبريل عليه السلام علىٰ جمال الملائكة فكاستدلاله بعظمة خلق بعض الملائكة علىٰ عظمة خلق كل الملائكة، وهذه الطريقة قد ذكرنا ما فيها

وأمّا استدلاله بقول النسوة فهو صحيح إلّا أنَّه ليس علىٰ إطلاقه

فقد روىٰ البخاري مطولًا عن سَمُرةَ بنِ جُنْدَبٍ رَضِيَ اللَّهُ عنه أنَّ رَسولَ اللَّه ﷺ قال في حَديثِ المِعْراجِ:

( فانطَلَقْنا فأَتَينا على رَجُلٍ كَرِيهِ المَرْآةِ، كأكرَهِ ما أنت راءٍ رَجُلًا مَرآةً، وإذا عِنْدَه نارٌ يَحُشُّها ويسعى حَولَها. قال: قُلْتُ لهما: ما هذا؟! قال: قالا لي: انطَلِقِ انطَلِقِ، فانطَلَقْنا...

وفي الحديث بعدها:

قالا لي:... وأمَّا الرَّجُلُ الكَريهُ المَرْآةِ، الذي عند النَّارِ يَحُشُّها ويَسْعى حَوْلَها، فإنَّه مالِكٌ خازِنُ جَهَنَّمَ )

قال ابنُ رَجَبٍ في التخويف من النار:

( مالِكٌ هو خازِنُ جَهَنَّمَ، وهو كَبِيرُ الخَزَنةِ ورَئِيسُهم، وقد رآه النَّبيُّ ﷺ ليلةَ الإسراءِ... وهو كَرِيهُ المَرآةِ، أي: كَريهُ المَنظَرِ، كأكرَهِ ما أنت راءٍ مِنَ الرِّجالِ )

فبهذا يثبت أن الجمال ليس في كل أفرادهم

وقد جاء في حديث البراء بن عازب رضي اللَّه عنه مرفوعاً:

(وإنَّ العَبدَ الكافِرَ إذا كان في انقِطاعٍ مِنَ الدُّنيا وإقبالٍ مِنَ الآخرةِ، نزل إليه من السَّماءِ مَلائِكةٌ سُودُ الوُجوهِ )

وجاء حديث مرفوعاً عن النبي ﷺ عند الترمذي:

( إذا قُبِرَ الميِّتُ -أو قال: أحَدُكم- أتاه مَلَكانِ أسودانِ أزرَقانِ، يُقالُ لأحَدِهما: المُنكَرُ، والآخَر: النَّكيرُ )

وكل هذا مروي بلا نكير بما يدل علىٰ جواز هذا المعنىٰ

فهذا وصل اللهم وسلم علىٰ نبينا محمد

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

الخلاف في صفة الهرولة...

دلالة الحس علىٰ الخالق وصفاته وأفعاله...

هل تثبت صفة البشبشة؟