تنبيه علىٰ إطلاق كلمة حبيب اللَّه علىٰ النبي ﷺ..
بسم اللَّه والصلاة والسلام علىٰ رسول اللَّه وعلىٰ آله وصحبه ومن ولاه، وبعد:،
فإن بعض الناس ربما ظنوا أن إطلاق لفظ الحبيب علىٰ رسول اللَّه ﷺ انتقاص له إذ كان هو ﷺ خليل اللَّه كما أن إبراهيم ﷺ خليل اللَّه
والواقع أن ذلك قد ثبت عن التابعي الكبير مسروق بن الأجدع
قال ابن سعد في طبقاته:
أخبرنا أبو معاوية الضرير ومحمد بن عبيد اللَّه الطنافسي قالا: حدثنا الأعمش، عن مسلم، عن مسروق أنّه كان إذا حدث عن عائشة قال:
( حدثتني الصديقة بنت الصديق حبيبة حبيب اللَّه المبرأة )
قال سعيد بن منصور في سننه:
نا أبو معاوية، نا الأعمش، عن مسلم، عن مسروق: قال: كان إذا حدث عن عائشة، قال:
( حدثتني الصديقة ابنت الصديق حبيبة حبيب اللَّه صلّىٰ اللَّهُ عليه وسلم وعليها )
قال إسحاق بن راهويه في مسنده:
( ١٤٥٢ - أخبرنا أبو معاوية، نا الأعمش، عن مسلم، عن مسروق أنّه كان إذا حدث عن عائشة، قال:
حدثتني المرأة الصديقة ابنة الصديق حبيبة حبيب اللَّه )
قال ابن المبارك في الزهد:
( أخبرنا أبو معاوية قال: حدثنا الأعمش، عن مسلم، عن مسروق قال: كان إذا حدث عن عائشة رحمة اللَّه عليها، قال: حدثتني المبرأة المصدقة بنت الصديق، حبيبة حبيب اللَّه )
أقول: ظاهر الإسناد الصحة للتابعي الجليل مسروق بن الأجدع رحمه اللَّه، ولم يستنكر قوله أحد
وفي هذا غلط قول قائلهم: إن قولك عن النبي ﷺ حبيب اللَّه، إنزال لمرتبته إذ كان خليلًا للَّه ﷻ
فليس في تلك العبارة إنزال لمرتبته ﷺ ويجوز أن يقال حبيب اللَّه
ونظير هذا في القرآن قوله جل وعلا: (واذكر في الكتاب إبراهيم إنه كان صديقا نبيا)
فنبي اللَّه إبراهيم ﷺ صِدِّيق مع أن اللَّه جل وعلا قال: (فأولئك مع الذين أنعم اللَّه من النبيين والصديقين والشهداء والصالحين)
فجعل رتبة النبيين أعلىٰ من رتبة الصديقين ومع ذلك فليس في قوله عز وجل: (صديقا)، إنزال لمرتبة إبراهيم ﷺ إذ كونه نبيًّا ﷺ يجعله من باب أولى صديقًا وصالحًا فيصدق عليه كل هذا، ويصح أن يقال عنه كل ذاك
وكذلك نبينا ﷺ خليل اللَّه، ويصح أن يقال عنه أنه حبيبه فهو كذلك من باب أولىٰ إذ مرتبة الحب الأعلىٰ ثابتة وهي الخلة
ومعنىٰ الخلة الصداقة والمصافاة
قال ابن قُتَيبة في مختلف الحديث:
( فإنّ الخلة بمعنىٰ الصداقة والمصافاة )
والمصافاة مصدرٌ من قولك: صَافَىٰ فلان فلانًا فهو يصافيه مصافاةً، بمعنىٰ أنه أخلص له الود، والود: كثرة الحب
والخلة بالمعنىٰ المذكور علىٰ درجتين والنبي ﷺ له الدرجة الأخص من الخلة أي من الود الذي هو كثرة المحبة، فهو ﷺ علىٰ هذا من باب أولىٰ حبيبٌ للَّهِ تعالى أي محبوب له
قال ابن قتيبة في مختلف الحديث:
( وهي درجتان، إحداهما ألطف من الأخرى كما أن الصحبة درجتان، إحداهما ألطف من الأخرى
ألا ترى أن القائل: أبو بكر صاحب رسول اللَّه، لا يريد بهذا القول معنى صحبة أصحابه له، لأنهم جميعا صحابة، فأية فضيلة لأبي بكر رضي اللَّه عنه في هذا القول؟. وإنما يريد أنه أخص الناس به.
وكذلك الأخوة التي جعلها رسول اللَّه ﷺ بين أصحابه، هي ألطف من الأخوة التي جعلها الله بين المؤمنين، فقال: {إنما المؤمنون إخوة}
وهكذا الخلة، فمن الخلة التي هي أخص، قول اللَّه تعالى: {واتخذ الله إبراهيم خليلا}
وقول رسول اللَّه ﷺ: لو كنت متخذا من هذه الأمة خليلا لاتخذت أبا بكر خليلا
يريد لاتخذته خليلا، كما اتخذ اللَّه إبراهيم خليلا.
وأما الخلة، التي تعم، فهي الخلة التي جعلها اللَّه تعالى بين المؤمنين فقال: {الأخلاء يومئذ بعضهم لبعض عدو إلا المتقين} ... )
فهذا وصل اللهم وسلم علىٰ نبينا محمد
تعليقات
إرسال تعليق