معنىٰ كلمة الملائكة...

بسم اللَّه والصلاة والسلام علىٰ رسول اللَّه وعلىٰ آله وصحبه ومن ولاه، وبعد:

المَلَائِك أو الملائِكة جمعُ تكسير علىٰ وزن مَفَاعِل أو مفاعلة والتاء مزيدة، جمع لمَلَك الذي أصله مَلْأَك بالهمز، وهذا بدليل الجمع فهو يرد الأسماء لأصولها

ولأن تلشاعر قال:

فَلَسْتَ لانْسِيّ وَلَكِنْ لِمِلأكٍ ... تَحَدَّرَ مِنْ جَوّ السمَّاءِ يَصُوبُ 

فهمز الكلمة.

وقيل: مَلَكٌ، فنقلت حركة الهمزة لما قبلها

وحذفت الهمزة علىٰ غير قياس لكثرة الاستعمال، وهذا هو الحذف للتخفيف

فإذا جمعت كلمة ملَك رددتَ الهمزة

قال الشاعر في جمع ملك:

وَفِيها مِنْ عِبادِ اللَّهِ قَوْمٌ ... مَلائِكُ ذلِّلُوا وَهُمُ صِعابُ

فأصل ملأك مصدر ميمي من لَأَك إليه يلأك ملأكًا أي أرسل إليه يرسل إرسالًا ملأكًا

قال ابنُ جريرٍ الطبري:

( وأصل الملأك: الرسالة، كما قال عديّ بن زيد العبادي: 

أبْلِغِ النُّعْمَانَ عَنِّـي مَلأكًا ... أنّهُ قَدْ طالَ حَبْسِي وَانْتِظارِي )

ومعنىٰ المصدر هاهنا معنىٰ اسم المفعول، تقول: هؤلاء خلق اللَّه أي مخلوقو اللَّه جل وعلا

وتقول: هذا خلق اللَّه أي مخلوقه وليس مرادك التخليق الذي هو فعله جل وعلا

فكأن الملك كذلك بمعنىٰ اسم المفعول أي بمعنىٰ المُرسَل

فكأن قوله جل وعلا: (جاعل الملائكة رسلا)، أي بمعنىٰ جاعل المرسلين رسلًا

قال تعالىٰ حاكيًّا قول إبراهيم ﷺ للملائكة: (قال فما خطبكم أيها المرسلون)

وقال بعضهم كالكسائي وغيره: ملأك مَفعَلٌ من ألك يألك ألوكةً ومَأْلكًا

فأُخِرَت الهمزة وهي فاء الكلمة فقيل: مَلأك، والأصل بدون القلب: مألك

وهذا وجه غير مدفوع لدلالة السياق علىٰ القلب كما في قولك مثلًا: أبلغ فلانًا عني هذه الملأكة

أي المألكة أي أبلغه عني هذه الرسالة، فالكلام معقول بسياقه

إلّا أنّ الأشهر عدم القلب في الحروف، فلأن تكون الكلمة مشتقةً من لأك يلأك ملأكًا علىٰ وجه مفهوم لها لا نحتاج فيه للقلب أشبه بالصواب، واللَّه العالم

قال أحمد بنُ فارسٍ الرازي في مقاييس اللغة:

( أَلَكَ: الْهَمْزَةُ وَاللَّامُ وَالْكَافُ أَصْلٌ وَاحِدٌ، وَهُوَ تَحَمُّلُ الرِّسَالَةِ

قَالَ الْخَلِيلُ: الْأَلُوكُ الرِّسَالَةُ، وَهِيَ الْمَأْلَُكَةُ عَلَىٰ مَفْعَُلَةٍ

قَالَ عَدِيٌّ:

أَبْلِغِ النُّعْمَانَ عَنِّي مَأْلُكًا ... أَنَّهُ قَدْ طَالَ حَبْسِي وَانْتِظَارِي

وَقَوْلُ الْعَرَبِ: أَلِكْنِي إِلَىٰ فُلَانٍ، الْمَعْنَىٰ: تَحَمَّلْ رِسَالَتِي إِلَيْهِ )

قال ابن جريرٍ:

( فسميت الملائكة ملائكة بالرسالة لأنّها رسل اللَّه بينه وبين أنبيائه ومن أرسلت إليه من عباده )

قال ابن قتيبة في غريب القرآن:

( ٤- و{الملائكة}: من الألُوك. وهي الرسالة، وهي المأْلُكَة والمأْلَكَة، ومنه قالت الشعراء: أَلِكْنِي، أي أرسلني، وبمعنىٰ كن رسولي، واحدهم ملك - بترك الهمزة - لكثرة ما يجري في الكلام، والهمزة في الجمع مؤخرة لأنّهم رسل اللَّه )

فهذا الأمر، وصل اللهم وسلم علىٰ نبينا محمد

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

الخلاف في صفة الهرولة...

دلالة الحس علىٰ الخالق وصفاته وأفعاله...

هل تثبت صفة البشبشة؟