الكلام عن تضعيف حديث سنة الخلفاء الراشدين الراشدين الراشدين...
بسم اللَّه والصلاة والسلام علىٰ رسول اللَّه وعلىٰ آله وصحبه ومن ولاه، وبعد:
فإنّ تسرع بعض الناس في تضعيف الأحاديث المشتهرة عند الأئمة الموضوعة في كتب السنن مما لا يسر المرء
وهذا ما أتىٰ إلا من الجمود عن القرائن
فالراوي الضعيف قد يصيب، والمجهول قد تزول جهالته، وذلك يحصل: بالقرائن التي لا تكون صريحة دائمًا
فمثلًا أثر إجلاس النبي ﷺ علىٰ العرش، يدفعونه بدعوىٰ ضعف الليث بن أبي سليم
فنقول: الأثر احتفت به قرينة تمنع التضعيف بهذا، وهي أنّ السلف أجمعوا عليه كما نقل الخلال في السنة
فاحتجاج الأئمة النقاد في علم الحديث من السلف بآثر مجاهد مقتضاه تصحيح رواية الليث، فيُعلم جزمًا أن الليث لم يغلط في هذا الآثر بل يكون هذا ممّا أصاب فيه، ولا إشكال فالضعيف قد يصيب
ثم إن رواية الليث عن مجاهد مباشرة بخلاف الجادة فهذه إمارة حفظ وخير
وهذا الكلام أقوله تنزلًا وإلا فالليث يروي عن مجاهد من كتاب القاسم بن أبي بزة، فلا دخل لحفظه بالموضوع أصلًا
والآن نأتي لحديثنا، قال الإمام أحمد بن محمد بن حنبل في المسند:
” ١٧١٤٤ - حَدَّثَنَا الضَّحَّاكُ بْنُ مَخْلَدٍ، عَنْ ثَوْرٍ، عَنْ خَالِدِ بْنِ مَعْدَانَ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَمْرٍو السُّلَمِيِّ، عَنْ عِرْبَاضِ بْنِ سَارِيَةَ، قَالَ: صَلَّى لَنَا رسول اللَّه ﷺ الْفَجْرَ، ثُمَّ أَقْبَلَ عَلَيْنَا، فَوَعَظَنَا مَوْعِظَةً بَلِيغَةً، ذَرَفَتْ لَهَا الْأَعْيُنُ، وَوَجِلَتْ مِنْهَا الْقُلُوبُ، قُلْنَا أَوْ قَالُوا:
يَا رَسُولَ اللَّهِ، كَأَنَّ هَذِهِ مَوْعِظَةُ مُوَدِّعٍ، فَأَوْصِنَا. قَالَ أُوصِيكُمْ بِتَقْوَى اللَّهِ وَالسَّمْعِ وَالطَّاعَةِ وَإِنْ كَانَ عَبْدًا حَبَشِيًّا، فَإِنَّهُ مَنْ يَعِشْ مِنْكُمْ يَرَى بَعْدِي اخْتِلَافًا كَثِيرًا، فَعَلَيْكُمْ بِسُنَّتِي وَسُنَّةِ الْخُلَفَاءِ الرَّاشِدِينَ الْمَهْدِيِّينَ، وَعَضُّوا عَلَيْهَا بِالنَّوَاجِذِ، وَإِيَّاكُمْ وَمُحْدَثَاتِ الْأُمُورِ، فَإِنَّ كُلَّ مُحْدَثَةٍ بِدْعَةٌ، وَإِنَّ كُلَّ بِدْعَةٍ ضَلَالَةٌ “
هذا الحديث مشهور معروف عند الأئمة موضوع في الكتب، وقد ضعفه غير واحد لعلة جهالة: عبد الرحمن السلمي
وهذا الإعلال ليس بشيء، وذلك لأنّ الحديث لم يأت وحده بل احتفت به قرائن تدل علىٰ صحته: ألا وهي احتجاج الأئمة النقاد بهذا الحديث، فهذا تعديل يزيل جهالة عبد الرحمن بل يقتضي الجزم بصحة ما روىٰ فإنّ الثقة قد يخطئ أصلًا
قال أبو داود في مسائله:
” ١٧٩٢ - سمعت أحمد غير مرة يُسأل: يُقَال لما كان من فعل أبي بكر وعمر وعثمان وعلي سنة؟، قال: نعم، وقال مرة لحديث: (عليكم بسنتي وسنة الخلفاء الراشدين)، فسمّاها سنة “
قال الترمذي في جامعه بعد أن ذكر الحديث:
” هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ “
والحديث أصلًا يشهد له القرآن بقوة، وأهل الحديث ما غفلوا عن جانب شواهد القرآن أبدًا، قال عبد اللَّه بن أحمد في السنة:
” ١٤٦٦ - حَدَّثَنِي أَبِي، نا يَحْيَىٰ بْنُ سَعِيدٍ، عَنِ الْمَسْعُودِيِّ، حَدَّثَنِي عَبْدُ اللَّهِ بْنُ الْمُخَارِقِ، عَنْ أَبِيهِ، قَالَ: قَالَ عَبْدُ اللَّهِ:
إنّ الْمُؤْمِنَ إِذَا أُجْلِسَ فِي قَبْرِهِ يُقَالُ لَهُ: مَنْ رَبُّكَ مَا دِينُكَ مَنْ نَبِيُّكَ، فَيُثَبِّتُهُ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ، فَيَقُولُ: رَبِّيَ اللَّهُ وَنَبِيِّي مُحَمَّدٌ ﷺ فَيُوَسَّعُ لَهُ فِي قَبْرِهِ وَيُرَوَّحُ عَنْهُ
ثُمَّ قَرَأَ عَبْدُ اللَّهِ {يُثَبِّتُ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا بِالْقَوْلِ الثَّابِتِ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الْآخِرَةِ}، إلىٰ قَوْلِهِ {وَيَفْعَلُ اللَّهُ مَا يَشَاءُ}
وَإِنَّ الْكَافِرَ إِذَا مَاتَ أُجْلِسَ فِي قَبْرِهِ، فَيُقَالُ لَهُ : مَنْ رَبُّكَ مَا دِينُكَ مَنْ نَبِيُّكَ؟، فَيَقُولُ: لَا أَدْرِي، فَيُضَيَّقُ عَلَيْهِ قَبْرُهُ وَيُعَذَّبُ فِيهِ
وَقَرَأَ عَبْدُ اللَّهِ {وَمَنْ أَعْرَضَ عَنْ ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنْكًا}
قالَ يَحْيَىٰ فِي كُلِّ حَدِيثٍ مِنْهَا: إِذَا حَدَّثْنَاكُمْ بِحَدِيثٍ أَنْبَأْتُكُمْ بِتَصْدِيقِ ذَلِكَ مِنْ كِتَابِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ “
أقول: هذا بخلاف الجهلة الذين ينكرون عذاب القبر والشواهد عليه من القرآن بينة واضحة!، فإن المعيشة الضنكة أي الضيقة الأقوىٰ أنخا عذاب القبر لتشمل الآية كل الكفار إذ ليس كل كافر مضيق عليه في معيشته في الدنيا
وقول شيخ الإمام أحمد يحيىٰ القطان من أجمل ما يكون، فأهل الحديث أعلم بالقرآن وأحرص عليه وعلىٰ ما يشهد للأحاديث منه
ولهذا فكثير من الأحاديث التي يستنكرها الجهلة علىٰ أهل الحديث لها شواهد من القرآن أصلًا، والجهلة يستشكلون أحاديث السنة ولا يستشكلون معايير الغرب هذه وهي غير مبرهنة أصلًا
طيب فإن قيل: أين شواهد حديث الخلفاء الراشدين المهديين من القرآن؟
قيل: فأمّا اتباع سنن الخلفاء وصراطهم، فقال اللَّه جل وعلا: {اهدِنَا الصِّراطَ المُستَقيمَ (٦) صِراطَ الَّذينَ أَنعَمتَ عَلَيهِم غَيرِ المَغضوبِ عَلَيهِم وَلَا الضّالّينَ}
فمن هؤلاء الذين أنعم الرب سبحانه عليهم؟، قال تعالىٰ:
{ومَن يُطِعِ اللَّهَ وَالرَّسولَ فَأُولئِكَ مَعَ الَّذينَ أَنعَمَ اللَّهُ عَلَيهِم مِنَ النَّبِيّينَ وَالصِّدّيقينَ وَالشُّهَداءِ وَالصّالِحينَ وَحَسُنَ أُولئِكَ رَفيقًا}
فأبو بكر بالإجماع صديق، وعمر شهيد قتله المجوسي، وعثمان شهيد قتله الخوارج، وعلي شهيد قتله ابن ملجم
وأمّا كونهم راشدين، فقال تعالىٰ:
{وَاعلَموا أَنَّ فيكُم رَسولَ اللَّهِ لَو يُطيعُكُم في كَثيرٍ مِنَ الأَمرِ لَعَنِتُّم وَلكِنَّ اللَّهَ حَبَّبَ إِلَيكُمُ الإيمانَ وَزَيَّنَهُ في قُلوبِكُم وَكَرَّهَ إِلَيكُمُ الكُفرَ وَالفُسوقَ وَالعِصيانَ أُولئِكَ هُمُ الرّاشِدونَ}
ورؤوس الصحابة المتكلم عنهم في هذه الآية هم الخلفاء الأربعة
وأمّا كونهم مهديين بحيث يهتدي من اتبعهم وآمن بمثل ما آمنوا به، فقال تعالىٰ:
{فَإِن آمَنوا بِمِثلِ ما آمَنتُم بِهِ فَقَدِ اهتَدَوا وَإِن تَوَلَّوا فَإِنَّما هُم في شِقاقٍ فَسَيَكفيكَهُمُ اللَّهُ وَهُوَ السَّميعُ العَليمُ}
ورؤوس الصحابة المتكلم عنهم هم الخلفاء الراشدين رضي اللَّه عنهم
وكثير من الأحاديث لها شواهد تثبت معناها وتصححها بخلاف مفهوم الشذوذ والمعارضة، فالحمد للَّه علىٰ فضله
وصل اللهم وسلم علىٰ نبينا محمد
تعليقات
إرسال تعليق