الطعن بعلم الحديث وأهله من قبل الجهلة...

بسم اللَّه والصلاة والسلام علىٰ رسول اللَّه وعلىٰ آله وصحبه ومن ولاه، وبعد:

فإنَّه ممَّا لا يسر المرء أن يتواجد هؤلاء الجهلة الطاعنين بالأحاديث وبأهل الحديث الزاعمين تعظيم القرآن وأتباعه كما يفعل منكري السنة وغيرهم

ولعمري فهؤلاء الناس من أبعد الناس عن القرآن

فهل لهم نظر وتفسير كامل لجوانبه الفقهية وجوانبه العقدية وجوانبه اللغوية وجوانبه الوعظية إلخ كما كان هذا عند أهل الحديث من قبل؟

فالفقهاء مثلًا الذين لهم مذاهب من السلف لهم نظر ومعرفة بآيات القرآن في باب الفقه بشكل عام

ولهم كلام في أبواب الفقه عمومًا

والعلماء من السلف في الاعتقاد لهم نظر ومعرفة واستدلالات بآيات القرآن في الباب بشكل عام
 
والوعاظ من السلف لهم نظر ومعرفة في الآيات التي يستفيدون منها في الباب، فيكون لوعظهم جمالًا وأثرًا

وأهل اللغة من أهل الحديث لهم نظرهم واستدلالهم من القرآن، ولهم ردوده علىٰ أهل البدع من هذا الجانب كما رد ابن قتيبة علىٰ القدرية وتحريفاتهم لآيات الإضلال والهداية من جانب اللغة مثلًا

وهكذا فأهل الحديث بالمجمل يأخذون بالقرآن في كل الأبواب ويعتنون به، والبخاري الذي يقصده غير واحد من هؤلاء بنفسه له كتاب كامل في الصحيح عن تفسير القرآن، ويبوب بآيات القرآن في غير موضع

فهل هؤلاء الجهلة كأهل الحديث؟

الجواب: لا، طيب هل لهم اهتمام وحب وتعظيم للقرآن وصدق مع النفس وتقوىٰ وورع بحيث يتبعونه ويتبعون أسسه علىٰ الأقل؟، الجواب: لا

فمن أسس القرآن مثلًا: أن الشرك أعظم الذنوب فحق الخالق أعلىٰ وأجل، ولهذا فالأرض كلها أُغرِقَت في زمن نبي اللَّه نوح ﷺ لأجل الشرك

وتجد هذا الذي يزعم تعظيم القرآن وطرد ما يخالفه من الأحاديث بزعمه: يستنكر حد الردة ويستشنعه وفقًا لمنظورات غربية هي غير مبرهنة أصلًا ولا دليل عليها - وكأن الناس الذين يطالبون بالدليل والذين يُعتَرض عليهم هم أهل الحديث فقط! -

طيب فأين الإيمان بالقرآن واتباعه؟!، ولم تستشنعون الولاء والبراء لحق الخالق جل وعلا؟!، ولم تريدون التلطف بأحكام الكفار مطلقًا وتعيبون ما يخالف أسسهم وإنسانيتهم؟!

أين هذا من موافقة القرآن؟

وتجد أحدهم ينكر اتباع الصحابة وسنن الخلفاء وكذا ويريد الاكتفاء بالقرآن فقط بزعمه، مع أن القرآن بنفسه يدل علىٰ اتباع الصحابة والاستنان بسنة الخلفاء الراشدين

فقال جل وعلا عن الصحابة: {فإن آمنوا بمثل ما آمنتم به فقد اهتدوا}، وقال عن أتباع المهاجرين والأنصار: {والذين اتبعوهم بإحسان}

وقال: {اهدنا الصراط المستقيم (٦) صراط الذين أنعمت عليهم}

وقال مبينًا من الذين أنعم عليهم: {ومن يطع اللَّه والرسول فأولئك مع الذين أنعم اللَّه عليهم من النبيين والصديقين والشهداء والصالحين}

وأبو بكر بإجماع الأمة من قبل صديق، وعمر شهيد قتله المجوسي، وعثمان شهيد قتله الخوارج، وعلي شهيد قتله ابن ملجم

فهؤلاء اتباع صراطهم وطريقهم فيما سنوه للأمة هو اتباع لصراط الذين أنعم اللَّه جل وعلا عليهم

وهذان مثالان ذكرتهما وإلَّا فمخالفة هؤلاء للقرآن وتأثرهم بالغرب أكثر من أن تحصىٰ وتحصر بمقالة كهذه

ومثلًا قصة قارون مفادها أن البسط الدنيوي من اللَّه جل وعلا في الدنيا لا يلزم منه أن المبسوط عليه مرضي عنه علىٰ الصراط المستقيم

وأن زينة الدنيا دون إيمان ولا عمل صالح وتقوىٰ وملاحظة لحق الخالق لا قيمة لها، وأن الكافر مهما عَظُم دنيويًّا فلا قيمة له مع كفره ولا فلاح كما قيل: {ويكأنه لا يفلح الكافرون}

فبعد كل هذا لمَ يعظم غير واحد من هؤلاء الجهلة الغرب لما يجد لديهم من العيش المبسوط والتطور الدنيوي مع كفرهم وبعدهم عن خالقهم الذي حقه أعلىٰ من كل شيء؟

ولم يقدم غير واحد من هؤلاء اعتبارات الدنيا علىٰ حق الخالق والإيمان الذي هو غاية الوجود - إمّا صراحةً بأن يفضل الكفار علىٰ المسلمين لاعتبارات دنيوية محضة

وإمّا بشكل غير مباشر إذ يستشكل كل حكم يرفع المسلم علىٰ الكافر ويميزه عنه باعتبار حق اللَّه جل وعلا كعدم قتل المسلم بالكافر وغير ذلك -؟

وتجد أحدهم ينكر أمرًا وهو في القرآن ولا يشعر، ومثل هذا موجود وواقع، واللَّه المستعان

فبعد كل هذا كيف نقبل نقد هؤلاء بالقرآن ودعواهم اتباعه وهم بهذه الحالة؟، كيف نقدمهم علىٰ أهل الحديث أهل القرآن المتبعين له؟!، والأمر لا يقف هنا:

الأمر أن رد هؤلاء ونقدهم غالبًا ما يقترن بجهل بأهل الحديث وبطرق أهل الحديث وعدم إحاطة بعلمهم وبأسسه 

ولعمري فأين هذا من اتباع القرآن أصلًا؟، قال جل وعز: {بَل كَذَّبوا بِما لَم يُحيطوا بِعِلمِهِ وَلَمّا يَأتِهِم تَأويلُهُ}

وقد أحسن اللَّه جل ذِكره إِذ قال محذرًا ومؤدبًا عباده:

{وَلا تَقفُ ما لَيسَ لَكَ بِهِ عِلمٌ إِنَّ السَّمعَ وَالبَصَرَ وَالفُؤادَ كُلُّ أُولئِكَ كانَ عَنهُ مَسئولًا}

فالإنسان المنصف التقي المتبع للقراءن إن لم يعلم وإن لم يحط بالأمر ولا بأسسه لا يسارع بالحكم وينكر لمحض التقليد أو مخالفة الهوىٰ أو الظن بأن كذا يخالف كذا

فالمرء إن لم يحط ولم يعلم فلا يستكبر علىٰ العلم ويصدق مع نفسه ليهديه اللَّه جل جلاله

قالَ الإمامُ مسلِّم صاحب صحيح مسلم في التمييز / ٨٢:

( فإنَّك يرحمك اللَّه ذكرت أنًّ قِبَلَك قومًا ينكرون قول القائل من أهل العلم:

هذا حديثٌ خطأٌ، وهذا حديثٌ صحيحٌ، وفلان يخطئ في روايته كذا، والصواب ما روىٰ فلان بخلافه

وذكرت أنَّهم استعظموا ذلك من قول من قاله، ونسبوه إلىٰ اغتياب الصالحين من السلف الماضين، وحتَّىٰ قالوا:

إنَّ من ادَّعىٰ تمييز خطأ روايتهم من صوابها متخرصٌ بما لا علم له به، ومدعٍ عِلمَ غَيبٍ لا يوصل إليه

واعلم وفقنا اللَّه وإياكم أن لولا كثرة جهلة العوام مستنكري الحق بالجهالة لما بان فضلُ عالمٍ علىٰ جاهلٍ، ولا تبين علمٌ من جهلٍ

ولكن الجاهل ينكر العلم لتركيب الجهل فيه، وضد العلم هو الجهل

فكلُّ ضدٍ نافٍ لضده دافِعٌ له لا محالة، فلا يهولنَّك استنكار الجُهَّال وكثرة الرعاع لما خُصَّ به قوم وحرموه، فإنَّ اعتداد العلم دائر إلىٰ معدنه، والجهل واقِفٌ علىٰ أهله )

وليس واللَّهِ من العقل أن تنسب مئات العلماء والفقهاء من مختلف الأمصار علىٰ مدى عدة طبقات زمنية مختلفة إلىٰ مخالفة صريح القرآن ولا من العقل إنكار ما اتفقوا عليه مع اختلافهم وتنافسهم في غير موضع دون إحاطة وعلم بأساسيات طرق وعلم هؤلاء

والذي يصدق مع اللَّه وفي نفسه خير وحرص فاللَّه يصدق معه ويسمعه ويفهمه، فهؤلاء الجهلة لا أحسب حالهم هكذا إلَّا لما في أنفسهم من عدم الصدق والحرص، واللَّه المستعان

فكم واحد منهم شد همته ليتعلم أساسيات هذا العلم أي علم الحديث الذي يرده؟، كم واحد منهم تكلف دراسة العلم حرصًا علىٰ الدين مثلًا قبل أن يرد كل هذا لأهواء غربية؟!

قال جل وعلا: {لو علم اللَّه فيهم خيرًا لأسمعهم}

قال محمد بن عبد الوهاب كما في مفيد المستفيد / ٨١ - ٨٢؛

” وهذا فُسِّر به قوله تعالىٰ: {ولو علم اللَّه فيهم خيرا لأسمعم}ي حرصاً علىٰ تعلم الدّين: {لأسمعهم}، أي أفهمهم، فهذا يدلُّ علىٰ أنّ عدم الفهم في أكثر النّاس عدلًا منه سبحانه، لما يعلم في قلوبهم من عدم الحرص علىٰ تعلُّم الدّين “ 

وهذا الذي ذكره المجدد واقع بكثرة، فإن الناس لا يكفرون ولا يردون الحق بجهل وعدم صدق مع النفس ولا يجرمون إلخ لشبهات علمية فقط بل الواقع أن الأمر كثيرًا ما يكون لما في نفس المرء من الهوىٰ والشهوة وعدم الصدق والحرص وغير ذلك

فهذا باب الوعاظ ليعالجوا بالتزهيد المرء الذي يفعل لشهوة، وبالتذكير بالحساب والآخرة المرء الذي يفعل لهوى ونفع دنيوي، وبالصدق والإخلاص للَّه عز وجل المرء الذي يفعل لعدم الصدق مع النفس ولعدم النية للدين وللَّه جل وعلا

وإن كان هؤلاء منكري السنة يريدون حقًّا الدين واللَّه جل وعلا لما خالفوا كتابه وردوا سنة نبيه لأهواء لا دليل عليها أُخِذت من الغرب!

هذا وصل اللهم وسلم علىٰ نبينا محمد

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

الخلاف في صفة الهرولة...

دلالة الحس علىٰ الخالق وصفاته وأفعاله...

هل تثبت صفة البشبشة؟