فائدة في الرد علىٰ الربوبية...

بسم اللَّه والصلاة والسلام علىٰ رسول اللَّه وعلىٰ آلع وصحبه ومن ولاه، وبعد:

فهذه فائدة مأخوذة من كلام شيخ الإسلام في رده علىٰ الجهمية، ويظهر لي أن في كلامه ردًّا علىٰ الربوبيين أيضًا

قال أبو العباس ابن تيمية في رسالة الصفات الفعلية [٦١ - ٦٣]:

( وَكَذَلِكَ كَونه مَالِكًا ليَوْم الدَّين، يَوْم يدين الْعباد بأعمالهم: إِن خيرّا فَخير، وَإِن شرًّا فشر:

{وَمَا أَدْرَاك مَا يَوْم الدَّين * ثمَّ مَا أَدْرَاك مَا يَوْم الدَّين * يَوْم لَا تملك نفس لنَفس شَيْئًا وَالْأَمر يَوْمئِذٍ للَّه}

فَإِن الْمَلك هُوَ الَّذِي يتَصَرَّف بِالْأَمر يَأْمر فيطاع، وَلِهَذَا إِنَّمَا يُقَال ملك للحي المطاع الْأَمر

لَا يُقَال فِي الجمادات لصَاحِبهَا: ملك، إِنَّمَا يُقَال لَهُ: مَالك

وَيُقَال ليعسوب النَّحْل: ملك النَّحْل، لِأَنَّهُ يَأْمر فيطاع وَالْمَالِك الْقَادِر علىٰ التَّصَرُّف فِي الْمَمْلُوك

وَإِذا كَانَ الْملك هُوَ الْآمِر الناهي المطاع، فَإِن كَانَ يَأْمر وَينْهىٰ بمشيئته كَانَ أمره وَنَهْيه من الصِّفَات الاختيارية، وَبِهَذَا أخبر الْقُرْآن

قَالَ اللَّه تَعَالَىٰ: {يَا أَيهَا الَّذين آمنُوا أَوْفوا بِالْعُقُودِ أحلّت لكم بَهِيمَة الْأَنْعَام إِلَّا مَا يُتْلَى عَلَيْكُم غير محلي الصَّيْد وَأَنْتُم حرم إِن اللَّه يحكم مَا يُرِيد}

وَإِن كَانَ لَا يَأْمر وَينْهىٰ بمشيئته - بل أمره لَازم لَهُ حَاصِل بِغَيْر مَشِيئَته وَلَا قدرته - لم يكن هَذَا مَالِكًا أَيْضًا بل هَذَا إِلَىٰ أَن يكون مَمْلُوكا أقرب

فَإِن اللَّه تَعَالَىٰ خلق الْإِنْسَان وَجعل لَهُ صِفَات تلْزمهُ - كاللون والطول وَالْعرض والحياة وَنَحْو ذَلِك مِمَّا يحصل لذاته بِغَيْر اخْتِيَاره

فَكَانَ بِاعْتِبَار ذَلِك مَمْلُوكًا مخلوقا للرب فَقَط وَإِنَّمَا يكون ملكًا إِذا كَانَ يَأْمر وَينْهىٰ بِاخْتِيَارِهِ فيطاع، وَإِن كَانَ الله خَالِقًا لفعله وَلكُل شَيْء

وَلَكِن الْمَقْصُود أَنّه لَا يكون ملكًا إِلَّا من يَأْمر وَينْهىٰ بمشيئته وَقدرته، فَمن نفىٰ الصِّفَات الاختيارية، وَقَالَ: لَيْسَ للرب أَمر وَنهي يقوم بِهِ بمشيئته بل من قَالَ: إِنَّه لَازم لَهُ بِغَيْر مَشِيئَته، أَو قَالَ: إِنَّه مَخْلُوق لَهُ، فكلاهما يلْزمه أَنه لَا يكون ملكًا

وَإِذا لم يُمكنهُ أَن يتَصَرَّف بمشيئته لم يكن ملكًا أَيْضًا، فَمن قَالَ: إِنَّه لَا يقوم بِهِ فعل اخْتِيَاري لم يكن عِنْده فِي الْحَقِيقَة مَالِكًا لشَيْء

وإِذا اعْتبرت سَائِر الْقُرْآن وجدت أَنه من لم يقر بِالصِّفَاتِ الاختيارية لم يقم بِحَقِيقَة الْإِيمَان وَلَا الْقُرْآن )

أقول: مقتضىٰ هذا الكلام الرد علىٰ أصحاب الربوبية الذين يثبتون خالقًا وخلقًا: ثم لا يثبتون الرسل ولا الأمر ولا النهي

فنقول: هذا المذهب مقتضاه أنّ الرب عندكم ليس بملك علىٰ مخلوقاته مع أنّه كذلك إذ لا ملك إلّا من يأمر وينهىٰ ومن هو صاحب حقوق علىٰ مملوكاته

فإن كان ملكًا عليها فكيف لا يكون له حقوق علىٰ عبيده يعرفنا إياها من خلال رسله؟، وكيف لا يكون له أمر ونهي علىٰ عبيده فأي ملك هذا؟!، واللَّه المستعان

فهذا وصل اللهم وسلم علىٰ نبينا محمد

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

الخلاف في صفة الهرولة...

دلالة الحس علىٰ الخالق وصفاته وأفعاله...

هل تثبت صفة البشبشة؟