تنبيه علىٰ طريق مشهور لحديث يا ابن آدم تفرغ لعبادتي...
بسم اللَّه والصلاة والسلام علىٰ رسول اللَّه وعلىٰ أهل بيته وصحبه أجمعين، وبعد:
قال مسلِّمُ بن الحجاج رحمه اللَّه تعالىٰ في التمييز / ٨٤ - ٩٠:
” ثُمَّ أول ما أذكر لك بعد ما وصفت ممَّا يجب عليك معرفته قبل ذكري لك ما سألت من الاحاديث:
السمة التي تعرف بها خطأ المخطئ في الحديث وصواب غيره إذا أصاب فيه
فاعلم أرشدك اللَّه أنَّ الذي يدور به معرفة الخطأ في رواية ناقل الحَدِيث إذا هم اختلفوا فيه من جهتين:
- أحدهما: أنَّ ينقل الناقل حديثًا بإسنادٍ فينسب رجلًا مشهورًا بنسبٍ في إسناد خبره خلاف نسبته التي هي نسبته
أو يسمِيه باسمٍ سِوَىٰ اسمه، فيكون خطأ ذلك غير خفي علىٰ أهل العلم حين يرد عليهم
كـ معمر بن راشد حيث حدث عن الزهري فقال: عن أبي الطفيل عمرو بن واثلة
ومعلومٌ عند عوام أهل العلم أنَّ اسم أبي الطفيل: عامر لا عمرو
وكما حدَّث مالك بن أنس عن الزهري فقال: عن عبَّاد، وهو من ولد المغيرة بن شعبة
وإنَّما هو عبَّاد بن زياد بن أبي سفيان، معروف النسب عند أهل النسب وليس من المغيرة بسبيل
وما وصفت من هذه الجهة من خطأ الأسانيد فموجود في متون الأحاديث ممَّا يُعرَف خطأه السامع الفهم حين يرد علىٰ سمعه
فهذه الجهة التي وصفنا من خطأ الإسناد ومتن الحديث: هي أظهر الجهتين خطأً، وعارفوه في النَّاس كُثر “
أقول: خطأ الثقات في الأسماء والنسب علىٰ ضَربين: إمَّا أن يكون خطأً مؤثرًا بصحة الحديث وإمَّا لا
وقول مسلم: ( وعارفوه في الناس كثر )، يعني في زمنه وإلَّا ففي زمننا تمر الأخطاء من هذه الجهة مرورًا يخفىٰ علىٰ كثير من الناس، وذاك لإغفالهم عن جمع الطرق، واللَّه المستعان
ومن الغلط المؤثر غلط الرواة في الأسماء بإبدال اسم ثقة بمحل اسم ضعيف فيُسمَّىٰ الضعيف بغير اسمه
ومثال هذا حديث مشهور رُوِيَ من طريق الصحابي معقل بن يسار رضي اللَّه عنه
ويروي هذا الطريق الحاكم في مستدركه علىٰ الصحيحين فقال:
” ٨١٦٣ - حدثنا مُحَمَّدُ بْنُ صَالِحِ بْنِ هَانِئٍ، ثَنَا يَحْيَىٰ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ يَحْيَىٰ، ثَنَا حَفْصُ بْنُ عُمَرَ الْحَوْضِيُّ، ثَنَا سَلَامُ بْنُ أَبِي مُطِيعٍ، ثَنَا مُعَاوِيَة بْنُ قُرَّةَ، عَنْ مَعْقِلِ بْنِ يَسَارٍ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ:
يَقُولُ رَبُّكُمْ: يَا ابْنَ آدَمَ، تَفَرَّغْ لِعِبَادَتِي، أَمْلَأْ قَلْبَكَ غِنًى، وَأَمْلَأْ يَدَيْكَ رِزْقًا، يَا ابْنَ آدَمَ، لَا تَبَاعَدْ مِنِّي، فَأَمْلَأْ قَلْبَكَ فَقْرًا، وَأَمْلَأْ يَدَيْكَ شُغْلًا
هَذَا حَدِيثٌ صَحِيحُ الْإِسْنَادِ، وَلَمْ يُخَرِّجَاهُ “
أقول: بل هو حديث واهٍ فرحم اللَّه البخاري ومسلم
والإشكال كله بأن الحاكم بدل اسم سلام الطويل - وهو متروك ضعيف - إلىٰ اسم سلام بن أبي مطيع!
وأسقط من ذكر الإسناد زيدًا العَميِّ - وهو في أحسن الأحوال ضعيف - فجعل الإسناد هكذا: سلام بن أبي مطيع، ثنا معاوية بن قرة!
قال الطبراني في المعجم الكبير:
” ٥٠٠ - حَدَّثَنَا عُثْمَانُ بْنُ عُمَرَ الضَّبِّيُّ، ثنا حَفْصُ بْنُ عُمَرَ الْحَوْضِيُّ، وَحَدَّثَنَا الْحُسَيْنُ بْنُ إِسْحَاقَ التُّسْتَرِيُّ، ثنا أَبُو الرَّبِيعِ الزَّهْرَانِيُّ، قَالَا:
ثنا سَلَّامٌ الطَّوِيلُ، عَنْ زَيْدٍ الْعَمِّيِّ، عَنْ مُعَاوِيَةَ بْنِ قُرَّةَ، عَنْ مَعْقِلِ بْنِ يَسَارٍ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: قَالَ رَبُّكُمْ تَعَالَىٰ:
ابْنَ آدَمَ تَفَرَّغْ لِعِبَادَتِي أَمْلَأْ قَلْبَكَ غِنًى، وَامْلَأْ يَدَيْكَ رِزْقًا، ابْنَ آدَمَ لَا تَبَاعَدْ عَنِّي فَأَمْلَأْ قَلْبَكَ فَقْرًا، وَأَمْلَأْ يَدَيْكَ شُغْلًا “
فهذا الطبراني رواه عن سلام الطويل، وكذا الزهراني تابع الحوضي فرواه عن سلام الطويل لا عن ابن أبي مطيع
وروىٰ الحديث من طريق الطبراني أبو نعيم في حلية الأولياء فقال:
” حَدَّثَنَا سُلَيْمَانُ بْنُ أَحْمَدَ، قَالَ: ثنا عُثْمَانُ بْنُ عُمَرَ الضَّبِّيُّ، قَالَ: ثنا حَفْصُ بْنُ عُمَرَ الْحَوْضِيُّ، قَالَ:
ثنا سَلَّامٌ، عَنْ زَيْدٍ الْعَمِّيِّ، عَنْ مُعَاوِيَةَ بنِ قُرَّةَ، عَنْ مَعْقِلِ بْنِ يَسَارٍ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: إِنَّ رَبَّكُمْ تَعَالَى يَقُولُ:
ابْنَ آدَمَ تَفَرَّغْ لِعِبَادَتِي أَمْلَأْ قَلْبَكَ غِنًى وَأَمْلَأْ يَدَيْكَ رِزْقًا يَا ابْنَ آدَمَ لَا تَبَاعَدْ مِنِّي فَأَمْلَأْ قَلْبَكَ فَقْرًا وَأَمْلَأْ يَدَيْكَ شُغْلًا
غَرِيبٌ تَفَرَّدَ بِهِ عَنْ مُعَاوِيَةَ زَيْدٌ وَعَنْهُ سَلَّامٌ وَرَوَاهُ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ غَيْرُ مَعْقِلٍ جَمَاعَةٌ “
أقول: غريب يريد به ضعيف
وقد ذكر غير واحد من أهل العلم رواية الحاكم من طريق معقل بن يسار فصححوها
والصواب بخلاف ذلك فلا يحل نسبة ذاك الكلام للنبي ﷺ من ذاك الطريق بالخصوص بعدما تبين ما فيه من تبديل اسم الضعيف بالثقة
واللَّه العالم، وصل اللهم وسلم علىٰ نبينا محمد
تعليقات
إرسال تعليق