معنىٰ أأمنتم من في السماء
بسم اللَّه والصلاة والسلام علىٰ رسول اللَّه وعلىٰ آله وصحبه ومن ولاه، وبعد:
فإن غير واحد من طلبة العلم يقولون في قوله جل وعز: {أأمنتم من في السماء}، أي علىٰ السماء كقوله: {سيروا في الأرض}، أي علىٰ الأرض
وكقوله أيضًا: {لأصلبنكم في جذوع النخل}، أي علىٰ جذوع النخل
والواقع أن هذا بخلاف الأولىٰ والأصح، فالسماء مصدرٌ من قولك: سمىٰ يسمو سموًّا وسماءً، وأصل السماء: السماو فقُلِبَت الواو همزة لتواجدها في آخر الكلمة بعد ألف زائدة
وهذا كما تقول: بنىٰ يبني بناءً، فأصل البناء: البناي، فقُلِبَت الياء همزة لتطرفها بعد ألف زائدة
وإذا كانت السماء كذلك أي بمعنىٰ السمو فهي تُطلق لكل ما علا أصلًا لا للسماء الدنيا فقط، فمعنىٰ كونه جل وعلا في السماء أي في السمو والعلو المطلق فوق العرش
قال سبحانه وتعالىٰ: {أنزل من السماء ماء}، أي من السحاب، فهو سبحانه أنزل ماءً من السمو والعلو لا من أسفل الأرض
وقال سبحانه: {أصلها ثابت وفرعها في السماء}، أي في الهواء الذي هو فوق
وقال عز وجهه: {فليمدد بحبل إلىٰ السماء فليقطع}، أي إلىٰ السقف
قال ابن قتيبة في تأويل مشكل القرآن:
” {فَلْيَمْدُدْ بِسَبَبٍ}، أي بحبلٍ، {إلىٰ السماء}، يعني سقف البيت، وكل شيء علاك وأظلك فهو سماء، والسحاب: سماء
يقول اللَّه: {ونزلنا من السماء ماء مباركا}
وقال سلامة بن جندل يذكر قتل كسرىٰ النعمان:
هو المُدخِلُ النعمانَ بيتاً سماؤه ... نحور الفيول بعد بيت مسردق
يعني: سقفه، وذلك أنّه أدخله بيتاً فيه فيلة فتوطّأته حتّىٰ قتلته “
وقال أبو منصور الثعالبي في فقه اللغة:
” الباب الأول في الكليّات، وهي ما أطلق أئمة اللًغة في تفسيره لفظة: كلّ
الفصل الأوّل: فيما نَطَقَ بِهِ القرآنُ منْ ذلكَ وجاءَ تفسيرُهُ عنْ ثِقاتِ الأئمةِ
كلُّ ما عَلاك فأظلَّك فهو سماء “
وبناءً علىٰ هذا فليس في لفظة في السماء أي محظور ولا ظاهرها عند العرب الحلول في السماء الدنيا كما ظن بعض جهلة الجهمية بل ظاهرها كظاهر قولك: اللَّه جل جلاله في العلو
ولا داعي لأن يقال: في بمعنىٰ علىٰ
قال ابن قتيبة في تأويل مشكل القرآن بعد أن ذكر أشعار العرب في إثبات القدر / ٢٢٩:
” هذا مذهب القدر في العرب وهو مذهب كُلِّ أمَّة من العجم، وأنّ اللّٰه في السماء ما تُرِكَت علىٰ الجِبلة والفِطرَة ولم تنقل عن ذلك بالمقاييس والتلبيس “
وقال ابن قتيبة في تأويل مختلف الحديث / ٣٥:
” وَالْأُمَمُ كُلُّهَا - عَرَبِيُّهَا وَعَجَمِيُّهَا : تَقُولُ: إِنَّ اللَّهَ تَعَالَى فِي السَّمَاءِ مَا تُرِكَتْ عَلَىٰ فِطَرِهَا وَلَمْ تُنْقَلْ عَنْ ذَلِكَ بِالتَّعْلِيمِ. “
هذا وصل اللهم وسلم علىٰ نبينا محمد
تعليقات
إرسال تعليق