العمل الصالح المغفول عنه في أيام عشر ذي الحجة...
بسم اللَّه والصلاة والسلام علىٰ رسول اللَّه وعلىٰ آله وصحبه ومن ولاه، وبعد:
فقد جاءت أيام عشر ذي الحجة غير أنّ الناس لما يعلمون بفضل هذه الأيام عند ربها جل جلاله يذكرون الصلاة والصيام والحج وغيرها، وهذا كله حق لا ريب فيه
ولكن هناك عمل صالح مغفول عنه في عموم الأيام وفي هذه الأيام خصوصًا، والغفلة عنه في هذه الأيام - خصوصًا - من الحسافة والندامة لعظم الأجر في مثل هذا
وهذا العمل هو: شكر النعم المعتادة.
قال سفيان بن سعيد الثوري في تفسيره:
” عن التيمي، عن أبي عثمان، عن سلمان في قوله: {كان عبدا شكورا}، قال كان إذا أكل طعامًا حمد اللَّه وإذا لبس ثوبًا حمد اللَّه “
قال ابنُ جريرٍ الطبري في تفسيره:
” حدثنا محمد بن بشار، قال: ثنا يحيىٰ وعبد الرحمن بن مهدي، قالا: ثنا سفيان، عن التيمي، عن أبي عثمان، عن سلمان، قال: كان نوح إذا لبس ثوبًا أو أكل طعامًا حمد اللَّه، فسُمّي عبدًا شكورًا “
هذا إسناد صحيح، التيمي يمشي في مثل هذا وعلىٰ فرض الإعلال بعنعته فهو مكثر عن أبي عثمان النهدي فتقبل عنعنته عنه إذ يغلب عليه السماع
قال يعقوب بن سفيان الفسوي في المعرفة والتاريخ:
” حدثني الفضل، قال: سئل أحمد بن حنبل ... - ذكر عدة أمور ثم قال -:
وسئل: من أروىٰ عن أبي عثمان النهدي التيمي أو عاصم؟
فقال: كان عند معتمر عن أبيه عن أبي عثمان مائة، وكتبت أنا عن يحيىٰ بن سعيد منها خمسين “
أقول: هذا من طريق ابن سليمان التيمي فقط وإلّا فمن غير هذا الطريق أحاديث كثر عن التيمي عن أبي عثمان، فهو عنه مكثر
قال يحيىٰ بن سلام في تفسيره:
” قال: {إنه كان عبدا شكورا}، سعيد، عن قتادة، قال: ذكر لنا أنه كان إذا استجد ثوبًا حمد اللَّه “
هذا إسناد صحيح، يحيىٰ بن سلام صدوق، وهذا أثر موقوف قصير وسهل بكل حال
قال عبد الرزاق في تفسيره:
” ١٥٣٩ - عن معمر‚ عن قتادة‚ في قوله تعالىٰ: {إنه كان عبدا شكورا}‚ قال: كان إذا لبس ثوبًا‚ قال: بسم اللَّه‚ وإذا أخلقه‚ قال: الحمد للَّه ”
هذا إسناد صحيح، ومعمر كان لا يحفظ عن قتادة الأسانيد فأمّا كلام قتادة فكان كأنه منقوش في صدره
وقال عبد الرزاق:
” ١٥٤٠ - عن معمر، عن منصور بن المعتمر, عن إبراهيم النخعي‚ قال: شكره أن يسمي إذا أكل , ويحمده إذا فرغ “
معمر كأنّه ليس بالقوي عن منصور إلّا أنّه بآثر موقوف قصير كهذا يحتمل ما لم يخالف
فتأمل أخي بارك اللَّه فيك وسع كرم الرب سبحانه، كلمات يسيرة تحافظ عليها فتصبح عنده عبدًا شكورًا
وإنّما ذُكِرَ أمر الطعام والشراب والثوب وما شابه هذا، لأنّ هذه النعم غالبًا ما يعتادها الناس فلا يستشعر المرء أنّها نعمة وتفضل من اللَّه سبحانه بل يعدها أمرًا طبيعيًا يستحقه:
فلهذا يغفل الناس عن شكر هذه النعم كثيرّا
فلهذا كان من استشعر الفضل والنعمة في مثل هذه النعم التي يعتادها فأدىٰ شكرها للَّه جل وعلا مستحقًا لأجرً كبير بفضل اللَّه جل وعلا
ففضل العبادة حين غفلة الناس عظيم، ولأنّ الإخلاص في مثل هذا أكثر والرياء أبعد
ولأنّ في مثل هذا إعظام لحق اللَّه وتذكر لفضله بشكره علىٰ النعم المعتادة التي لا تكاد تفارق المرء في ديناه، وهذه المنطقة هي أهم ما في الأمر
وكثير من الناس يغفل عن فضل شكر مثل هذه النعم كاللباس والطعام والشراب والنعال وما شابه هذا، فمن شكر عليها فيُرجىٰ له أن يكتب عند اللَّه عبدًا شكورًا
وفي هذا الأمر في الدين من الاعتناء بحق اللَّه جل وعلا وتقديمه فوق كل شيء وبناء الأجر عظيم علىٰ ذلك لوحده فقط ما يدل علىٰ صحة الإسلام
فدين كهذا فيه حق اللَّه فوق كل شيء والذي يؤديه أكثر أعظم أجرًا ممن لا يؤديه بكثرة الأول وإن كان هو أنفع للناس كيف يعقل أنه من صنع بشر يطلب بسببه عرض الحياة الدنيا؟
جاء في حديث السبعة الذين يظلهم اللَّه تعالىٰ بظل العرش: ( ورجل تصدق بصدقة فأخفاها حتىٰ لا تعلم شماله ما تنفق يمينه )
هذا الرجل قد لا تكون صدقته أكثر من صدقة غيره ولا نفع صدقته للناس كنفع صدقة غيره، فلم كان أجرها أعظم؟
فالجواب أنّ ذلك لما تعلق بحق اللَّه سبحانه في هذه الصدقة من الإخلاص العظيم والطاعة النقية لرب العالمين، فهذا كان كافيًا لإعلاء أجر صدقته وإن لم ينفع الناس كنفع غيره فحق اللَّه أعلىٰ
فحين تقرأ قول رسول اللَّه صلّىٰ اللَّهُ عليه وسلّم:
” ما من أيام العمل الصالح فيها أحب إلىٰ اللَّه من هذه الأيام يعني أيام العشر، قالوا : يا رسول اللَّه، ولا الجهاد في سبيل اللَّه؟
قال: ولا الجهاد في سبيل اللَّه، إلا رجل خرج بنفسه وماله فلم يرجع من ذلك بشيء. “
فلا تفغلن عن عمل صالح به سمي نبي اللَّه نوح ﷺ عبدًا شكورًا، فيُرجىٰ لمن أدىٰ شكر النعم المغفول عنها ممّا ذكرنا وغير ذلك في هذه الأيام مع فضلها عند اللَّه جل وعلا:
الأجر العظيم!
وصل اللهم وسلم علىٰ نبينا محمد
تعليقات
إرسال تعليق