صور حملة العرش عليهم السلام...

بسم اللَّه والصلاة والسلام علىٰ رسول اللَّه وعلىٰ آله وصحبه ومن ولاه، وبعد:

قال عثمان بن سعيد الدارمي في نقضه علىٰ المَريسي:

” (١١٠) حَدَّثَنَا مُوسَىٰ بْنُ إِسْمَاعِيلَ، ثَنَا حَمَّادٌ، عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ، عَنْ عُرْوَةَ قَالَ:

حَمَلَةُ العَرْشِ مِنْهُمْ مَنْ صُورَتُهُ عَلَىٰ صُورَةِ الإِنْسَانِ، وَمِنْهُمْ مَنْ صُورَتُهُ عَلَىٰ صُورَةِ النِّسْرِ، وَمِنْهُمْ مَنْ صُورَتُهُ عَلَىٰ صُورَةِ الثَّوْرِ، وَمِنْهُمْ مَنْ صُورَتُهُ عَلَىٰ صُورَةِ الأَسَدِ “

وقد تابع موسىٰ بن إسماعيل أسد بن موسىٰ

قال ابن خزيمة في التوحيد [٢٠٦]:

” حدَّثَنَا بَحْرُ بْنُ نَصْرِ بْنِ سَابِقٍ الْخَوْلَانِيُّ، قَالَ: ثنا أَسَدُ السُّنَّةِ يَعْنِي ابْنَ مُوسَىٰ، قَالَ: ثنا حَمَّادُ بْنُ سَلَمَةَ، عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ، قَالَ:

حَمَلَةُ الْعَرْشِ أَحَدُهُمْ عَلَىٰ صُورَةِ إِنْسَانٍ، والثَّانِي عَلَىٰ صُورَةِ ثَوْرٍ، وَالثَّالِثُ عَلَىٰ صُورَةِ نَسْرٍ، وَالرَّابِعُ عَلَىٰ صُورَةِ أسَدٍ “

أقول: قد ذكر هذا الآثر ورواه الإمام الناقد عثمان الدارمي، فليس الأثر بمنكر إذ جمهور أهل الحديث لا يستحلون تخريج الأخبار المنكرة المجزوم باختلاق راويها وهمًا وروايتها بالنسبة إلىٰ لسان فلان وعلان

قال الإمام مسلم بن الحجاج في مقدمة صحيحه [٢٠]:

” وحدثني سلمة، حدثنا الحميدي، حدثنا سفيان، قال: سمعت جابرًا يحدث بنحو من ثلاثين ألف حديث ما أستحل أن أذكر منها شيئًا، وأن لي كذا وكذا “

قال الإمام مسلم في التمييز بعد أن ذكر رواية لسلمة بن وردان هي منكرة لا يُفهَم معناها ولا يُعقَل وقد خالفت الصحيح الشائع [١٤٤]:

” ولو أنَّ هذا الكتاب قصدنا فيه الإخبار عن سنن الأخيار بما يصح وبما يستقيم لما:

استجزنا ذكر هذا الخبر عن سلمة بلفظه باللسان عن رسول اللَّه ﷺ، فضلًا عن روايته، وكذلك ما أخرجه من الأخبار المنكرة

ولكننا سوغنا روايته لعزمنا علىٰ إخبارنا فيه من العلة التي وصفنا “

الشاهد قوله: (وكذلك ما أخرجه من الأخبار المنكرة)، فهذا كلام عام يدخل فيه المرفوع والموقوف وحتىٰ المقطوع وغيره

وإذا لم يجز ذكر الخبر عن سلمة باللسان عن المروي عنه وهو النبي الكريم ﷺ فضلًا عن روايته لأننا نعلم يقينًا غلط الراوي ووهمه واختلاقه بحيث لا يجوز أن يُنسَب للمروي عنه صلوات اللَّه وسلامه عليه 

وإذا لم يجز ذلك في سائر أخبار سلمة المنكرة لعين العلة المذكورة، فالمنكر إذًا هو المجزوم بغلط روايه ووهمه واختلاقه إمَّا تعمدًا وإمَّا وهمًا

وسلمة بن وردان رحمه اللَّه ليس بمتهم بل هو متروك، وإنما كان ما رواه منكرًا مجزومًا باختلاقه لوهمه وغلطه، وليس المراد أنه يتعمد الاختلاق

وقال الدارمي في نقضه علىٰ المريسي:

” وادَّعىٰ المُعَارِضُ: أَنَّ مِنَ الأَحَاديِثِ الَّتِي تُروَى عَنْ رَسُولِ اللَّه ﷺ أَحَادِيثَ مُنْكَرَةً مُسْتَشْنَعَةً جِدًّا، لَا يَجُوزُ إِخْرَاجُهَا

فألَّف مِنْهَا أَحَادِيثَ بَعْضُهَا مَوْضُوعَةٌ، وَبَعْضُهَا مَرْوِيَّةٌ تُرْوَىٰ “

فقوله: ”بعضها موضوعة، وبعضها مروية تُروَىٰ“، يعم الموضوع كذبًا والموضوع وهمًا وغلطًا، فهذا كله لا يُروَىٰ بالأصل

والموضوع والمكذوب عند أئمة النقد لا ينحصر باختلاق الراوي تعمدًا بل يعم أيضًا اختلاق الراوي لوهم وغلط 

قال ابن أبي حاتم في مقدمة الجرح والتعديل عن أهل الجرح: ”وليعرف أهل الكذب تخرصاً وأهل الكذب وهماً”

وروىٰ مسلم في مقدمة صحيحه عن يحيىٰ القطان قوله: ”لم نر الصالحين في شيء أكذب منهم من الحديث”

ثم قال: ”يقول: يجري الكذب علىٰ لسانهم ولا يتعمدون الكذب”

وعلىٰ هذا فالأثر الذي نتيقن من اختلاق راويه وغلطه فيه هذا من سبيل المنكر الموضوع عند أئمة النقد

وهذا لا يستجيز روايته جمهور أهل الحديث إلا في مقامات معينة لبيان العلة وغير ذلك

وعلىٰ هذا فأثر حماد بن سلمة سالم من النكارة لعلة ما أو لمخالفة غيره، وهو أثر صحيح فحماد علىٰ ما فيه عن غير ثابت وحميد صدوق

ورواية حماد للأثر مقطوعًا بخلاف الجادة إمارة خير إن شاء اللَّه، وحماد كان يجمع بين الشيوخ فيغلط فأمنا هذا بروايته عن شيخ واحد

ولا يرد الأثر بدعوىٰ الإسرائيلية، فهذا منهج محدث ولم يؤثر عن السلف أبدًا، وجزم عروة بكلامه لا يجوز إن كان يحدث بإسرائيلية في أمر غيبي

فمثل هذا يعلم به المُخاطَب أن القول توقيفي لا عن أهل الكتاب، وهذا الأمر مستقر في نفوس السلف

قال الإمام أحمد في المسند:

” ٧٧٥٠ - حدثنا عبد الرزاق، أخبرنا هشام، عن محمد، عن أبي هريرة، قال: الفأرة ممسوخة، بآية أنًه يقرب لها لبن اللقاح فلا تذوقه، ويقرب لها لبن الغنم فتشربه - أوقال: فتأكله

فقال له كعب: أشيء سمعته من رسول اللَّه ﷺ؟، قال: أفنزلت التوراة علي؟ “

فهذا أبو هريرة رضي اللَّه عنه يستعجب من سؤال كعب، ويقول: أفنزلت التوراة علي؟، يعني أنّه أخذ قوله عن النبي ﷺ إذ هو يتكلم جازمًا فكيف يجزم بمثل ذاك الأمر دون توقيف؟

فكذلك يقال هذا مع كل أثر لا مجال فيه للرأي ويتكلم فيه الصحابي أو التابعي جزمًا

قال أبو العباس ابن تيمية في مقدمة التّفسير: 

” ومع جزم الصاحب فيما يقوله، فكيف يقال: إنّه أخذه عن أهل الكتاب وقد نهوا عن تصديقهم؟ “

وهذا الكلام ينطبق علىٰ التابعين أيضًا فلا فرق إذ الجزم بالإسرائيلية منهي عنه لما فيه من تصديق أهل الكتاب 

والأثر لم يدفعه بدعوىٰ الإسرائيلية أناس من أهل البدعة، فقد ذكره البيهقي في الأسماء والصفات في باب ما جاء في العرش والكرسي بلا نكير، وذكره السيوطي في أخبار الملائك

وذكره الزمخشري في الكشاف دون أي اعتراض

هذا وصل اللهم وسلم علىٰ نبينا محمد

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

الخلاف في صفة الهرولة...

دلالة الحس علىٰ الخالق وصفاته وأفعاله...

هل تثبت صفة البشبشة؟