معنىٰ الإمام في القرآن الكريم

بسم اللَّه ولا حول ولا قوة إلَّا باللَّه والصلاة والسلام علىٰ رسول اللَّه، وبعد:

قال ابن قتيبة في تَأوِيل مُشكِل القرآن [٥٥٧]:

” الإمام: أصله ما أئتمتت به، {إني جاعلك للناس إماما}، أي يؤتم بك، ويُقتَدَى بسنته “

قال أحمد بن فارس في مقاييس اللغة [٢٨]:

” وَالْإِمَامُ: كُلُّ مَنِ اقْتُدِيَ بِهِ وَقُدِّمَ فِي الْأُمُورِ. وَالنَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِمَامُ الْأَئِمَّةِ، وَالْخَلِيفَةُ إِمَامُ الرَّعِيَّةِ، وَالْقُرْآنُ إِمَامُ الْمُسْلِمِينَ “

قال البخاري في صحيحه [ج٦ - ٨٠]:

” وقال ابن عباس ... ثم قال: {لَبِإِمَامٍ مُبِينٍ﴾، الْإِمَامُ كُلُّ مَا ائْتَمَمْتَ وَاهْتَدَيْتَ بِهِ “

قال ابن أبي حاتم في تفسيره:

” ١١٧٤ - حَدَّثَنَا عِصَامُ بْنُ رَوَّادٍ الْعَسْقَلانِيُّ بِهَا، ثنا آدَمُ بْنُ أَبِي إِيَاسٍ، عَنْ أَبِي جَعْفَرٍ، عَنِ الرَّبِيع، عَنْ أَبِي الْعَالِيَةِ وَقَوْلُهُ: {إِنِّي جَاعِلُكَ لِلنَّاسِ إِمَامًا}، فَجَعَلَهُ اللَّهُ إِمَامًا يُؤْتَمُّ وَيُقْتَدَى بِهِ “

هذا إسناد مقبول، وأبو جعفر يحتمل في مثل هذا المقطوع القصير علىٰ ما فيه

قال سفيان الثوري في تفسيره:

” ٣٢ عَنْ مَنْصُورٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ فِي قول اللَّه جل وعز: {وإذا ابتلى إبراهيم ربه بكلمت فَأَتَمَّهُنَّ قَالَ إِنِّي جَاعِلُكَ لِلنَّاسِ إماما}، تقتدا “

هذا إسناد صحيح، وكأن المراد: يُقتَدى بك

قال ابن قتيبة في مشكل القرآن [٥٥٧]:

” ثم يجعل الكتاب إمامًا يؤتم بما أحصاه، قال اللّٰه عز وجلّ: {يوم ندعو كل أناس بإمامهم}، أي بكتابهم الذي جُمعت فيه أعمالهم في الدنيا

وقوله: {وكل شيء أحصيانه في إمام مبين}، يعني كتابًا، أو اللوح المحفوظ “

قال الطبري في تفسيره:

” حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة، عن الحسن: {يَوْمَ نَدْعُو كُلّ أُناسِ بإمامِهِمْ}، قال: بأعمالهم.

حدثنا محمد، قال: ثنا محمد بن ثور، عن معمر، عن قتادة، قال: قال الحسن: بكتابهم الذي فيه أعمالهم “

هذا ثابت عن الحسن البصري رحمه اللَّه

وأما قوله جل وجهه: {وكل شيء أحصيناه في إمام مبين}، فهذا نظيره قوله تعالىٰ: {وَكُلَّ شَيءٍ أَحصَيناهُ كِتابًا} 

وإنما عنىٰ تبارك وتعالىٰ بالإمام المبين الكتاب المبين إذ كان في نظير الآية ذكرًا للكتاب، فالشيء يرد لنظيره ومثيله من الكلام فيُثبَت معناه ويُفسَر

فإن قيل بعد هذا: أليس الأغلب من معاني الإمام الإمام المتبع المُقتَدى به من الأحياء كالبشر فلم عدلنا عن الأغلب وقلنا: إن الإمام المبين هو الكتاب المبين 

قيل: وجه الكلام علىٰ الأغلب ما لم يأت برهان بين يجعلنا عن الأغلب إلىٰ غيره عادلين، فإذا جاء برهان من الكتاب المسطور فبه يُثبَت المعنىٰ وعليه يُفسَّر 

وقد ذكرت الحجة من الكتاب علىٰ أن الإمام المبين إنما هو الكتاب المبين لا الإمام من البشر كما ادعىٰ بعض الرافضة

قال الطبري:

” حدثنا ابن بشار، قال: ثنا عبد الرحمن، قال: ثنا سفيان، عن منصور، عن مجاهد (فِي إِمَامٍ مُبِينٍ) قال: في أم الكتاب.

حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة، قوله (وَكُلَّ شَيْءٍ أحْصَيْنَاهُ فِي إِمَامٍ مُبِينٍ) كل شيء محصًى عند اللَّه في كتاب.

حدثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: قال ابن زيد، في قوله (وَكُلَّ شَيْءٍ أحْصَيْنَاهُ فِي إِمَامٍ مُبِينٍ) قال: أم الكتاب التي عند اللَّه فيها الأشياء كلها هي الإمام المبين. “ 

هذه أسانيد صحاح وللَّه الحمد

وإنما سمي الكتاب إمامًا لأن ما أحصاه يُتبَّع كالإمام المتبوع من البشر

قال ابن قتيبة في مشكل القرآن [٥٥٧]:

” وقد يجعل الطريق إمامًا لأنَّ المسافر يأتم به ويستدل، قال اللَّه تعالىٰ: {وإنهما لبإمام مبين}، أي بطريق واضح “

وإنما عنىٰ تبارك وتعالىٰ أن قرية سدوم بطريق مبين كما قال سابقًا: (وإنها لبسبيل مقيم)

وسمىٰ تبارك اسمه الطريق إمامًا لأنه يُتبَّع فيمر عليه الناس كما قال تعالىٰ: {وَإِنَّكُم لَتَمُرّونَ عَلَيهِم مُصبِحينَ} 

قال عبد الرزاق الصنعاني في تفسيره:

” ١٤٥٤ - عَنْ مَعْمَرٍ , عَنْ قَتَادَةَ , فِي قَوْلِهِ تَعَالَىٰ: {وَإِنَّهُمَا لَبِإِمَامٍ مُبِينٍ}، قَالَ: طَرِيقٌ وَاضِحٌ “

هذا إسناد صحيح فمعمر حفظ كلام قتادة وإنما لم يحفظ عنه الأسانيد لا كلامه هو 

قال الطبري:

” وإنَّما جعل الطريق إمامًا لأنه يُؤَم ويُتَّبع

حدثني محمد بن عمرو، قال: ثنا أبو عاصم، قال: ثنا عيسىٰ وحدثني المثنىٰ، قال: ثنا إسحاق، قال: ثنا عبد اللَّه، عن ورقاء وحدثني الحارث، قال: ثنا الحسن، قال: ثنا ورقاء وحدثنا الحسن بن مـحمد، قال: ثنا شبابة، قال: ثنا ورقاء، وحدثني الـمثنى، قال: ثنا أبو حذيفة، قال: ثنا شبل جميعًا:

عن ابن أبي نجيح، عن ـجاهد، فـي قوله: {وإنَّهُما لَبِإمامٍ مُبِينٍ} قال: بطريق معلم “

هذا ثابت عن إمام المفسرين مجاهد، واللَّه العالم

هذا وصل اللهم وسلم علىٰ نبينا محمد

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

الخلاف في صفة الهرولة...

دلالة الحس علىٰ الخالق وصفاته وأفعاله...

هل تثبت صفة البشبشة؟