الحكمة من تكرار القصص والأنباء في القرآن...
بسم اللَّه والصلاة والسلام علىٰ رسول اللَّه وعلىٰ أهل بيته وصحبه ومن ولاه، وبعد:
قال ابن قتيبة في باب الحكاية عن الطاعنين بالقرآن كما في تأويل مشكل القرآن:
” وتكلموا في الكناية، وفي تكرار الأنباء والقصص، من غير زيادة ولا إفادة “
ثم قال ابن قتيبة ردًّا عليهم في باب تكرار الكلام والزيادة فيه [٣٣٠ - ٣٣٣]:
” وأمّا تكرار الأنباء والقصص، فإنَّ اللّٰه تبارك وتعالىٰ أنزل القرآن نجومًا في ثلاث وعشرين سنة، بفرضٍ بعد فرضٍ:
تيسيرّا منه علىٰ العباد وتدريجًا لهم إلىٰ كمال دينه
ووَعظٍ بعد وعظٍ تنبيهًا لهم من سنة الغفلة، وشحذًا لقلوبهم بمتجدد الموعظة
وناسخٍ بعد منسوخٍ: استعبادًا لهم واختبارًا لبصائرهم، يقول اللّٰه عز وجل:
{وَقالَ الَّذينَ كَفَروا لَولا نُزِّلَ عَلَيهِ القُرآنُ جُملَةً واحِدَةً كَذلِكَ لِنُثَبِّتَ بِهِ فُؤادَكَ وَرَتَّلناهُ تَرتيلًا}
الخطاب للنبي صلّىٰ اللّٰه عليه وسلّم، والمراد بالتثبيت هو والمؤمنون
وكان رسول اللّٰه يتخول أصحابه بالموعظة مخافةَ السآمة عليهم، أي يتعدهم بها عند الغفلة ودثور القلب
ولو آتاهم القرآن نجمًا واحدًا بسبَقَ حدوث الأسباب التي أنزله اللّٰه بها
ولثقُلت جملة الفرائض علىٰ المسلمين، وعلىٰ من أراد الدخول في الدّين
ولَبطُل معنىٰ التنبيه، وفسد معنىٰ النسخ، لأنّ المنسوخ يعمل به مدة ثم يُعمل بناسخه بعده
وكيف يجوز أنّ ينزل القرآن في وقتٍ واحد: افعلوا كذا ولا تفعلوه؟
ولم يفرض اللّٰه علىٰ عباده أن يحفظوا القرآن كله ولا أنّ يختموه قبل التعلم
وإنّما أنزله ليعملوا بمحكمه ويؤمنوا بمتشابهه، ويأتمروا بأمره، وينزجروا بزجره، ويحفظوا للصلاة مقدار الطاقة، ويقرءوا فيها الميسور
وكانت وُفود العرب ترد علىٰ رسول اللّٰه ﷺ، فيُقرئهم المسلمون شيئًا من القرآن، فيكون ذلك كافياً لهم
وكان يبعث إلىٰ القبائل المتفرقة بالسور المختلفة، فلو لم تكن الأنباء والقصص مثناةً ومكررة:
لوقعت قصة موسى إلىٰ قومٍ، وقصة عيسى إلىٰ قومٍ، وقصة نوحٍ إلىٰ قومٍ، وقصة لوطٍ إلىٰ قومٍ
فأراد اللّٰه بلطفه ورحمته: أنّ يُشهر هذه القصص في أطراف الأرض، ويُلقيها في كل سمعٍ، ويثبتها في كل قلبٍ، ويَزيد الحاضرين في الإفهام والتحذير
وليست القصص كالفروض، لأنَّ كتب رسول اللّٰه ﷺ كانت تُنفَذ إلىٰ كل قوم بما فرضه اللّٰه عليهم، من الصلاة وعدد أوقاتها والزكاة وسنتها وصوم شهر رمضان وحج البيت، وهذا مالا تُعرف كيفيته من الكتاب
ولم تكن تنفذ بقصة موسىٰ وعيسىٰ ونوح وغيرهم من الأنبياء
وكان هذا في صدر الإسلام قبل إكمال الدين، فلما نشره اللَّه ﷻ في كل قطر، وبثّه في آفاق الأرض، وجُمع القرآن بين الدفتين:
زال هذا المعنىٰ، واجتمعت الأنباء في كل مصر، وعند كل قومٍ “
وهذا كلام طيب من ابن قتيبة رحمه اللَّه، وصل اللهم وسلم علىٰ نبينا محمد
تعليقات
إرسال تعليق