الكتابة والتدوين في الزمن النبوي....

بسم اللَّه والصلاة والسلام علىٰ رسول اللَّه وعلىٰ آله وصحبه ومن ولاه، وبعد:

قال الإمام أبو عيسىٰ الترمذي في علله [٣٥]:

” وإنما حملنا علىٰ ما بينا في هذا الكتاب من قول الفقهاء، وعلل الحديث، لأنا سئلنا عن ذلك فلم نفعله زمانًا، ثم فعلنا لما رجونا فيه من منفعة الناس

لأنا وجدنا غير واحد من الأئمة تكلفوا من التصنيف ما لم يسبقوا إليه:

فمنهم: هشام بن حسان

وعبد الملك بن عبد العزيز بن جريح

وسعيد بن أبي عروبة

ومالك بن أنس

وحماد بن سلمة

وعبد الله بن المبارك

ويحيىٰ بن زكريا بن أبي زائدة

ووكيع بن الجراح

وعبد الرحمن بن مهدي

وغيرهم من أهل العلم والفضل صنفوا، فجعل اللَّه تبارك وتعالىٰ في ذلك منفعة كبيرة

فنرجو لهم بذلك الثواب الجزيل من عند اللَّه - تعالىٰ - لما نفع اللَّه المسلمين به، فهم القدوة فيما صنفوا. “

ومراده عليه السلام بكلامه: أنه ترك التصنيف بتلك الطريقة الرائقة في جامعه من رواية الحديث مع ذكر العلل وأقوال الفقهاء لمدة مع كونه سُئِلَ عن هذا

ثم لما رأىٰ أئمة سبقوه وتكلفوا من التصانيف ما لم يسبقوا إليه تشجع ليتكلف التصنيف بطريقته الخاصة في جامعه

فكما أن هؤلاء تكلفوا في التصنيف ولم يسبقوا هو تكلف في طريقة التصنيف هذه وإن لم يسبق فيما فعل

وكلامه رحمه اللَّه: يدل علىٰ أن الأئمة الذين تكلفوا التصنيف إنما هم من طبقة أتباع التابعين - وهم الذين يصلون إلىٰ بعض الصحابة بواسطة واحدة - فما دون ذلك طبقةً 

قال ابن رجب في شرح العلل [٣٦ - ٣٧]:

” اعلم أن العلم المتلقىٰ عن النبي ﷺ من أقواله وأفعاله: كان الصحابة رضي اللّٰه عنهم في زمن نبيهم ﷺ يتداولونه بينهم حفظاً له وروايةً، ومنهم من كان يكتب

ثم بعد وفاة النبي ﷺ كان بعض الصحابة يرخص بكتابة العلم، وبعضهم لا يرخص في ذلك، ودرج التابعون أيضًا علىٰ مثل هذا الاختلاف

والذي كان يكتب في زمن الصحابة والتابعين تصنيفًا مرتبًا مبوبًا، وإنما كان يكتب للحفظ والمراجعة فقط

ثم إنه في زمن تابعي التابعين صنفت التصانيف، وجمع طائفة من أهل العلم كلام النبي ﷺ وبعضهم جمع كلام الصحابة

قال عبد الرزاق: أول من صنف الكتب ابن جريح، وصنف الأوزاعي حين قدم علىٰ يحيىٰ بن أبي كثير كبته، خرجه ابن عدي وغيره ”

هذا الكلام مهم وملخص الأمر: أن الكتابة في الزمن النبوي وفي الأزمنة قبل طبقة أتباع التابعين كانت موجودة، وكانت الكتابة آنذاك تدوينًا أو كتابةً فقط دون تدوين

فالكتابة فقط دون تدوين: يعني كتابة دون جمع

والكتابة بتدوين يعني كتابة الأحاديث بجمع من دون ترتيب ولا تبويب كصحيفة همام بن منبه عن أبي هريرة عليه السلام

وليُراجَع ما ذكره عثمان بن سعيد الدارمي في كتاب النقض في باب: ” باب الحث علىٰ طلب الحديث والرد علىٰ من زعم أنه لم يكتب على عهد النبي ﷺ الحديث ”

فأما الكتابة بتصنيف وهي الكتابة بترتيب وتبويب فهذه ظهرت أول مرة في زمن أتباع التابعين

وأتباع التابعين هم مثل: مالك، وسفيان الثوري، وسفيان بن عبينة، والأوزاعي، وشعبة، والليث بن سعد، وحماد بن زيد، وحماد بن سلمة، وابن جريج، وغيرهم 

وهؤلاء هم الذين يصلون إلىٰ بعض الصحابة بواسطة واحدة فقط

فمثلًا مالك يصل لعبد اللَّه بن عمر عليهما السلام عن طريق نافع

وشعبة وسفيان يصلان للبراء بن عازب عليه السلام عن طريق أبي إسحاق السبيعي

وابن جريج يصل لابن عباس عليهما السلام عن طريق عطاء بن أبي رباح

زين، شنو نسوي مع الحديث: ”ومن كتب عني غير القرآن فليمحه“؟

الجواب: الحديث وإن كان في صحيح مسلم ففيه كلام

وذاك لأن البخاري أعل الحديث في تاريخه بالوقف

يعني أنه جعل الصواب في الحديث أنه كلام الصحابي، فوصل الحديث إلىٰ النبي ﷺ عنده لا يصح، وإنما الصحيح رواية الحديث من كلام الصحابي

وقد كان الصحابي الذي روىٰ الخبر وهو أبو سعيد الخدري يكره كتابة الحديث لئلا يشابه القرآن كما كان غيره كذلك 

قال أبو خيثمة في كتاب العلم:

” ٩٥ - ثنا إسماعيل بن إبراهيم، عن الجريري، عن أبي نضرة، قال: قلت لأبي سعيد: إنك تحدثنا أحاديث معجبة، وإنا نخاف أن نزيد أو تنقص فلو اكتتبناه

قال: لن نكتبكم، ولن نجعله قرآنًا، ولكن احفظوا عنا كما حفظنا ”

هذا سند صحيح، وقوله: (اكتتبناه)، يعني به كتبناه فصيغة افتعل تأتي علىٰ معنىٰ صيغة فعَل

هذا وعلىٰ فرض ثبوت الحديث بالوصل إلىٰ النبي ﷺ فلا تعارض إذ الحديث الأول منسوخ أي مُبدَل حكمًا بالجواز بدليل الاحايث الأخرىٰ الدالة علىٰ ذاك

قال البخاري في صحيحه:

”' ١١٣ - حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ قَالَ: حَدَّثَنَا سُفْيَانُ قَالَ: حَدَّثَنَا عَمْرٌو قَالَ: أَخْبَرَنِي وَهْبُ بْنُ مُنَبِّهٍ، عَنْ أَخِيهِ قَالَ: سَمِعْتُ أَبَا هُرَيْرَةَ يَقُولُ: مَا مِنْ أَصْحَابِ النَّبِيِّ ﷺ أَحَدٌ أَكْثَرَ حَدِيثًا عَنْهُ مِنِّي، إِلَّا مَا كَانَ مِنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو، فَإِنَّهُ كَانَ يَكْتُبُ وَلَا أَكْتُبُ 

تَابَعَهُ مَعْمَرٌ، عَنْ هَمَّامٍ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ “

والأدلة أكثر من هذا، وصل اللهم وسلم علىٰ نبينا محمد

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

الخلاف في صفة الهرولة...

دلالة الحس علىٰ الخالق وصفاته وأفعاله...

هل تثبت صفة البشبشة؟