أوجه لفظ الظلم في القرآن الكريم...

بسم اللَّه وبه أستعين وأقصد والصلاة والسلام علىٰ رسوله الأمين، وبعد:

قال ابن قتيبة في تَأويل مُشكِل القرآن [٥٦٧]:

” أصل الظلم في كلام العرب: وضع الشيء في غير موضعه

ويقال: من أشبه أباه فما ظلم، أي: فما وضع الشّبه غير موضعه “

قال أحمد بن فارس في مقاييس اللغة [٤٦٨]:

” ظَلَمَ الظَّاءُ وَاللَّامُ وَالْمِيمُ أَصْلَانِ صَحِيحَانِ

أَحَدُهُمَا خِلَافُ الضِّيَاءِ وَالنُّورِ، وَالْآخَرُ وَضْعُ الشَّيْءِ غَيْرَ مَوْضِعِهِ تَعَدِّيًا 

وَالْأَصْلُ الْآخَرُ: ظَلَمَهُ يَظْلِمُهُ ظُلْمًا، وَالْأَصْلُ: وَضْعُ الشَّيْءِ فِي غَيْرِ مَوْضِعِهِ، أَلَا تَرَاهُمْ يَقُولُونَ: مَنْ أَشْبَهَ أَبَاهُ فَمَا ظَلَمَ، أَيْ مَا وَضَعَ الشَّبَهَ غَيْرَ مَوْضِعِهِ، قَالَ كَعْبٌ:

أَنَا ابْنُ الَّذِي لَمْ يُخْزِنِي فِي حَيَاتِهِ ... قَدِيمًا وَمَنْ يُشْبِهْ أَبَاهُ فَمَا ظَلَمْ ”

أقول: تعريف الظلم الأعم وضعك الشيء في غير موضعه، وتعريفه الأخص: أخذك حق غيرك الذي هو له، فهذا من وضع الشيء في غير موضعه

وقد ذكر التعريف الأول ابن قتيبة وأحمد بن فارس، وذكر الثاني سفيان الثوري والخليل بن أحمد 

قال الخليل في العين: ” والظُّلْمُ: أخذُكَ حقَّ غَيْرك ”

وقال سفيان في تفسيره: ” {فلا يخاف ظلما ولا هضما}، قَالَ: الظُّلْمُ أَنْ يُظْلَمَ حَقَّهُ وَالْهَضْمُ أَنْ يُهْضَمَ بَعْضَ حَقِّهِ ”

والظلم من الألفاظ العامة التي تأتي علىٰ غير وجه ونوع 

قال ابن قتيبة في تأويل المشكل:

” ثم قد يصير الظلم بمعنىٰ الشّرك، لأنَّ من جعل للَّه شريكًا: فقد وضع الرّبوبيّة غير موضعها، يقول اللَّه سبحانه: {إِنَّ الشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ} 

وقال: {وَلَمْ يَلْبِسُوا إِيمانَهُمْ بِظُلْمٍ}، أي: بشرك ”

قال الإمام مسلم في صحيحه:

” باب صدق الإيمان وإخلاصه

١٢٤ - حَدَّثَنَا أَبُو بَكْرِ بن أبي شيبة، حدثنا عبد اللَّه بن إِدْرِيسَ وَأَبُو مُعَاوِيَةَ وَوَكِيعٌ، عَنِ الأَعْمَشِ، عَنْ إِبْرَاهِيمَ، عَنْ عَلْقَمَةَ، عَنْ عبد اللَّه، قال:

لَمَّا نَزَلَتْ: {الَّذِينَ آمَنُوا وَلَمْ يَلْبِسُوا إِيمَانَهُمْ بظلم}، شَقَّ ذَلِكَ عَلَىٰ أَصْحَابِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ

وَقَالُوا: أَيُّنَا لَا يَظْلِمُ نَفْسَهُ؟، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: لَيْسَ هُوَ كَمَا تَظُنُّونَ، إِنَّمَا هُوَ كَمَا قَالَ لُقْمَانُ لِابْنِهِ: {يَا بُنَيَّ لا تُشْرِكْ بِاللَّهِ إِنَّ الشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ} “

أقول: فيظهر أن الآية خرجت مخرج العموم والمراد منها الخصوص 

وذاك لأن قوله تعالىٰ: {بظلم}، نكرة في سياق نفي، وهذا يفيد العموم إلا أن المراد من الكلام الخصوص

وهذا بدليل الأثر عن رسول اللَّه ﷺ فهو مبين القرآن

ومن الظلم بمعنىٰ الشرك قوله تعالىٰ: ( وقد خاب من حمل ظلمًا )

قال سفيان الثوري في تفسيره: ” ( خاب من حمل ظلمًا )، قال الظلم الشرك ”

قال ابن قتيبة في المشكل:

” ويكون الظلم: النّقصان، قال اللَّه تعالىٰ: {وَما ظَلَمُونا وَلكِنْ كانُوا أَنْفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ}، أي ما نقصونا

وقال: {آتَتْ أُكُلَها وَلَمْ تَظْلِمْ مِنْهُ شَيْئاً}، أي لم تنقص منه شيئًا، ومنه يقال: ظلمتك حقّك، أي: نقصتك

ومنه قوله تعالىٰ: {وَلا يُظْلَمُونَ شَيْئاً}، {ولا تُظْلَمُ نَفْسٌ شَيْئاً} “

قال مقاتل بن سليمان في تفسيره:

” يَقُولُ اللَّه: {وَما ظَلَمُونا}، يعني وما ضرونا يعني وما نقصونا حين رفعوا وقددوا ودود عليهم

{وَلكِنْ كانُوا أَنْفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ}، يعني يضرون وينقصون “

قال ابن قتيبة في تأويل المشكل:

” ويكون الظلم: الجحد، قال اللَّه تعالىٰ: {وَآتَيْنا ثَمُودَ النَّاقَةَ مُبْصِرَةً فَظَلَمُوا بِها}، أي: جحدوا بأنّها من اللَّه تعالىٰ

وقال: {بِما كانُوا بِآياتِنا يَظْلِمُونَ}، أي يجحدون. “

قال الطبري في قوله تعالىٰ: {ثُمَّ بَعَثنا مِن بَعدِهِم موسى بِآياتِنا إِلى فِرعَونَ وَمَلَئِهِ فَظَلَموا بِها فَانظُر كَيفَ كانَ عاقِبَةُ المُفسِدينَ}:

” وإنما جاز أن يقال: فظلموا بها، بمعنىٰ: كفروا بها، لأن الظلم: وضع الشيء في غير موضعه، وقد دللت فيما مضى علىٰ أن ذلك معناه بما أغنىٰ عن إعادته

والكفر بآيات اللَّه: وضع لها في غير موضعها “

واللَّه العالم، وصل اللهم وسلم علىٰ نبينا محمد

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

الخلاف في صفة الهرولة...

دلالة الحس علىٰ الخالق وصفاته وأفعاله...

هل تثبت صفة البشبشة؟