دقة أهل الحديث...

بسم اللَّه وبه أستعين وأقصد والصلاة والسلام علىٰ نبيه الأمين، وبعد:

قال أبو سعيد الدارمي في نقضه علىٰ المَريسي [٢٥٩ - ٢٦٠]:

” وَادَّعَيْتَ أَيْضًا أَنَّ الزَّنَادِقَةَ قَدْ وَضَعُوا اثْنَيْ عَشَرَ ألفًا مِنَ الحَدِيثِ رَوَّجُوهَا عَلَىٰ رُوَاةِ الحَدِيثِ، وَأَهْلِ الغَفْلَة مِنْهُم.

فيُقال لَكَ أَيُّهَا المُعَارِضُ: مَا أَقَلَّ بَصَرَكَ بِأَهْلِ الحَدِيثِ وَجَهَابِذَتِهِ

وَلَوْ وَضَعَتِ الزَّنَادِقَةُ اثْنَيْ عَشَرَ ألفَ حَدِيثٍ مَا يرُوجُ لهُمْ عَلَىٰ أَهْلِ البَصَرِ بِالحَدِيثِ مِنْهَا حَدِيثٌ وَاحِدٌ، وَلَا تَقْدِيمُ كَلِمَةٍ، وَلَا تَأْخِيرُهَا، وَلَا تَبْدِيلُ إِسْنَادٍ مَكَانَ إِسْنَادٍ، وَلَوْ قَدْ صَحَّفُوا عَلَيْهِمْ فِي حَدِيثٍ؛ لَاسْتَبَانَ ذَلِكَ عِنْدهم، وَرُدَّ فِي نُحُورِهِم.

 وَيْلَكَ!، هَؤُلَاءِ يَنْتَقِدُونَ عَلىٰ العُلَمَاءِ المَشْهُورِينَ تَقْدِيمَ رَجُلٍ مِنْ تَأْخِيرِهِ، وَتَقْدِيمَ كَلِمَةٍ مِنْ تَأْخِيرِهَا، وَيُحْصُونَ عَلَيْهِمْ أَغَالِيطَهُمْ وَمُدَلَّسَاتِهِمْ، أَفَيَجُوزُ لِلزَّنَادِقَةِ عَلَيْهِمْ تَدْلِيسٌ؟ “

هذا الكلام من أحسن الحِجاج، ولعمري فالأمر كما قال: فإن معرفة أغلاط الحفاظ الكبار في الأسامي والأنساب وفي الكلمة الواحدة أمر معلوم محصور عند أهل الفن آنذاك

أفيجوز مرور أحاديث الكذبة غير المتقنين ولا الحفاظ علىٰ أمثال هؤلاء؟

قال الإمام مسلم في التمييز:

” فاعلم أرشدك اللَّه أنَّ الذي يدور به معرفة الخطأ في رواية ناقل الحَدِيث إذا هم اختلفوا فيه من جهتين:

- أحدهما: أنَّ ينقل الناقل حديثًا بإسنادٍ فينسب رجلًا مشهورًا بنسبٍ في إسناد خبره خلاف نسبته التي هي نسبته

أو يسمِيه باسمٍ سِوَىٰ اسمه، فيكون خطأ ذلك غير خفي علىٰ أهل العلم حين يرد عليهم

كـ معمر بن راشد حيث حدث عن الزهري فقال: عن أبي الطفيل عمرو بن واثلة

ومعلومٌ عند عوام أهل العلم أنَّ اسم أبي الطفيل: عامر لا عمرو

وكما حدَّث مالك بن أنس عن الزهري فقال: عن عبَّاد، وهو من ولد المغيرة بن شعبة

وإنَّما هو عبَّاد بن زياد بن أبي سفيان، معروف النسب عند أهل النسب وليس من المغيرة بسبيل

وما وصفت من هذه الجهة من خطأ الأسانيد فموجود في متون الأحاديث ممَّا يُعرَف خطأه السامع الفهم حين يرد علىٰ سمعه

وكذلك نحو رواية بعضهم حيث صحَّف فقال: (نهىٰ النبي ﷺ عن التحبير)، أراد النجش

وكرواية الآخر إذ قال: (نهىٰ النبي ﷺ أن تُتخذ الروح عرضًا)، أراد: الروح غرضًا

فهذه الجهة التي وصفنا من خطأ الإسناد ومتن الحديث: هي أظهر الجهتين خطأً، وعارفوه في النَّاس كُثر “

فانظر إلىٰ قوله رعاك اللَّه: (وعارفوه في الناس كثر)، يقصد في زمانه وزمان السلف، فكيف يمر علىٰ هؤلاء الكذب الصريح المخالف لظاهر القرآن البين بزعم القوم؟، واللَّه المستعان 

قال الدارمي في نقضه [٢٦٠]:

” وَمَا إِخَالُكَ إِلَّا وَسَتَعْلَمُ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ لِلزَّنَادِقَةِ عَلَى أَهْلِ العَلْمِ بِالحَدِيثِ تَدْلِيسٌ، غَيْرَ أَنَّكَ تُرِيدُ أَنْ تَهْجُرَ العِلْمَ وَأَهْلَهُ، وَتُزْرِي بِهِمْ مِنْ أَعْيُنِ مَنْ حَوَالَيْكَ مِنَ السُّفَهَاءِ بِمِثْلِ هَذِهِ الحِكَايَاتِ؛ كَيْمَا يَرْتَابَ فِيهَا جَاهِلٌ فَيَرَاكَ صَادِقًا فِي دَعْوَاكَ

فَدُونَكَ أَيُّهَا المُعَارِضُ فَأَوْجِدْنَا عَشَرَةَ أَحَادِيثَ دَلَّسُوهَا علىٰ أَهْلِ العِلْمِ ”

وهذا التحدي مفتوح لكل من ادعىٰ تلك الدعوة فإن كان صادقًا فليأت بعشرة أحاديث عليها أهل الكذب أو الزندقة علىٰ أهل الحديث 

هذا وصل اللهم وسلم علىٰ نبينا محمد

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

الخلاف في صفة الهرولة...

دلالة الحس علىٰ الخالق وصفاته وأفعاله...

هل تثبت صفة البشبشة؟