أخذ المعطلة في التوحيد بالظنون والاحتمالات والاحتمالات!

بسم اللَّه وبه نستعين والصلاة والسلام علىٰ رسوله الأمين، وبعد:

قال أبو سعيد الدارمي في نقضه علىٰ المَريسي [٣٠٨]

” وادَّعيت أَيْضًا فِي صَدْرِ كِتَابِكَ هَذَا أَنَّهُ لَا يَجُوزُ فِي صِفَاتِ اللَّه تَعَالَىٰ اجْتِهَادُ الرَّأْيِ، وَأَنْتَ تَجْتَهِدُ فِيهَا أَقْبَحَ الرَّأْيِ، حَتَّىٰ مِنْ قَبَاحَةِ اجْتِهَادِكَ تَتَخَطَّىٰ بِهِ الحَقَّ إِلَىٰ البَاطِلِ، وَالصَّوَاب إِلَىٰ الخَطأِ

أوَ لم تَذْكُرْ فِي كِتَابِكَ أَنَّهُ لَا يحْتَمل فِي التوحيد إِلَّا الصَّوَابُ فَقَطْ؟، فَكَيْفَ تَخُوضُ فِيهِ بِمَا لَا تَدْرِي؟، أَمُصِيبٌ أَنْتَ أَمْ مُخْطِئٌ؟ 

لِأَنَّ أَكْثَرَ مَا نرَاك تُفَسِّرُ التَّوْحِيدَ بِالظَّنِّ، وَالظَّنُّ يُخْطِئُ وَيُصِيبُ

وَهُوَ قَوْلُكَ: يَحْتَمِلُ فِي تَفْسِيرِهِ كَذَا، وَيَحْتَمِلُ كَذَا تَفْسِيرًا وَيَحْتَمِلُ فِي صِفَاتِهِ كَذَا، وَيَحْتَمِلُ خِلَافَ ذَلِكَ كذا، وَيَحْتَمِلُ فِي كَلَامِهِ كَذَا وَكَذَا

والِاحْتِمَالُ ظَنٌّ عِنْدَ النَّاسِ غَيْرُ يَقِينٍ، وَرَأْيٌ غَيْرُ مُبِينٍ، حَتَّىٰ تَدَّعِيَ للَّه فِي صِفَةٍ مِنْ صِفَاتِهِ ألوَانًا كَثِيرَةً، وَوُجُوهًا كَثِيرَةً أَنَّهُ يَحْتَمِلُهَا لَا تَقِفُ عَلَىٰ الصَّوَابِ مِنْ ذَلِكَ فَتَخْتَارَهُ

فَكَيْفَ تَنْدُبُ النَّاسَ إِلَىٰ صَوَابِ التَّوْحِيدِ، وَأَنْتَ دَائِبٌ تجْهَلُ صِفَاتَه، وَأَنْتَ تَقِيسُهَا بِمَا لَيْسَ عِنْدَكَ بِيَقِينٍ؟ ”

أقول: المعطلة والأشاعرة يزعمون أن التوحيد لا بد فيه من القطع فالظن فيه مردود غير محمود

ويردون أخبار الآحاد في باب الاعتقاد وصفات اللَّه تعالىٰ إذ لا بد من الأدلة القطعية بمثل ذلك كما يقولون علىٰ أن مسائل الاعتقاد لا تكون كذلك إلا لظهور أدلتها وقوتها - ولهذا تُذكَر أمورٌ هي كالمسخ علىٰ الخفين وغيره في عقائد السلف - فلا معنى لمبحثهم في خبر الآحاد أصلًا وأساسًا

والعجب لقوم ذاك قيلهم ثم هم من أكثر الناس جرأةً علىٰ تفسير التوحيد والصفات بالتأويلات البعيدة المحتملة، والأوجه الغريبة المستنكرة!

والاحتمال ظن ليس بيقين، والبعيد غريب غير قاطع ولا مبين، فأين هذا من القطع يا قوم؟

والقاعدة عندنا أن احتمال النص البين لمجاز بعيد لا يُجوِّز حمله علىٰ ذاك المجاز إلا بحجة واضحة إذ حق الكلام أن يُحمَل علىٰ الأظهر من معانيه الأعرف دون الأخفىٰ من معانيه الأنكر

وقد بين الدارمي عليه سلام اللَّه ورضوانه في نقضه علىٰ المَريسي الحجج التي تجعلنا نحمل الكلام علىٰ المجاز البعيد دون وجهه الظاهر البين فقال:

” فَأَمَّا مَا احْتَجَجْتَ بِهِ مِنْ قَوْلِ خَالِدِ بْنِ الوَلِيدِ حِينَ قَالَ: رَأَيْتُ اللَّه قَدْ أَهَانَكَ، فَمِثْلُ هَذَا جَائِزٌ فِيمَا أَنْتَ مِنْهُ عَلَىٰ يَقِينٍ أَنَّهُ لَمْ يَرَ وَلَمْ يُدْرِكْ، وَلَمْ يُمْكِنْ إِدْرَاكُهُ، فَأَمَّا مَا يُرْجَىٰ إِدْرَاكُهُ بِبَصَرٍ فَلَا يَجُوزُ فِي هَذَا المَجَازِ إِلَّا بِحُجَّةٍ وَاضِحَةٍ مِنْ كِتَابٍ مَسْطُورٍ، أَوْ أَثَرٍ مَأْثُورٍ، أَوْ إِجْمَاعٍ مَشْهُورٍ ”

فإن لم يكن بينة من الكتاب أو السنة أو الأثر أو الإجماع فلا نعدو إلىٰ المجاز المحتمل البعيد، واللَّه العالم

واللَّه المستعان، وصل اللهم وسلم علىٰ نبينا محمد

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

الخلاف في صفة الهرولة...

دلالة الحس علىٰ الخالق وصفاته وأفعاله...

هل تثبت صفة البشبشة؟