هل النفس صفة أم هي الذات؟
بسم الرب الرؤوف الرحيم ذي النفس الكريم العليم وبه أستعين والصلاة والسلام علىٰ رسوله الأمين، وبعد:
فهل النفس صفة مستقلة أم هي الذات التي تجمع الصفات؟، معلوم مذهب ابن خزيمة إذ عدها من الصفات كما في كتاب التوحيد وكذا فعل ابن بطة في الإبانة الصغرىٰ ولكن الراجح بخلاف ذلك
قال ابن تيمية بعد أن ذكر نصوص النفس في مجموع الفتاوىٰ [٢٩٢ - ٢٩٣]:
” فَهَذِهِ الْمَوَاضِعُ الْمُرَادُ فِيهَا بِلَفْظِ النَّفْسِ عِنْدَ جُمْهُورِ الْعُلَمَاءِ: اللَّهُ نَفْسُهُ الَّتِي هِيَ ذَاتُهُ الْمُتَّصِفَةُ بِصِفَاتِهِ
لَيْسَ الْمُرَادُ بِهَا ذَاتًا مُنْفَكَّةً عَنْ الصِّفَاتِ، وَلَا الْمُرَادُ بِهَا صِفَةً لِلذَّاتِ
وَطَائِفَةٌ مِنْ النَّاسِ يَجْعَلُونَهَا مِنْ بَابِ الصِّفَاتِ كَمَا يَظُنُّ طَائِفَةٌ أَنَّهَا الذَّاتُ الْمُجَرَّدَةُ عَنْ الصِّفَاتِ، وَكِلَا الْقَوْلَيْنِ خَطَأٌ ”
والذي يرجح قول الجمهور ما قد ثبت عن التابعي أبي البختري كما روىٖ الدارمي عنه أنه جعل النفس هي الذات، وأقره الناس حينئذٍ، وقد أقره الدرامي في نقضه أيضًا
قال الدارمي في نقضه [٣٣٠ - ٣٣١]:
” ، فَإِذَا اجْتَمَعَ قَوْلُ اللهِ وَقَوْلُ الرَّسُولَيْنِ عِيسَى وَمُحَمَّدٍ -صَلَىٰ اللَّهُ عَلَيْهِمَا وَسَلَّمَ- فَمَنْ يَكْتَرِثُ لِقَوْلِ جَهْمٍ وَالمَرِيسِيِّ وَأَصْحَابِهِمَا؟، فَنَفْسُ اللَّهِ، هُوَ اللَّهُ.
وَالنَّفْسُ تَجْمَعُ الصِّفَاتِ كُلَّهَا، فَإِذَا نَفَيْتَ النَّفْسَ؛ نَفَيْتَ الصِّفَاتِ، وَإِذَا نَفَيْتَ الصِّفَاتِ كَانَ لا شَيء
ءٌ (٢٠١) وَحَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ كَثِيرٍ، أَبَنَا سُفْيَانُ، عَنْ زَيْدِ بْنِ جُبَيْرٍ قَالَ: سَمِعْتُ أَبَا البَخْتَرِيِّ قَالَ: لَا يَقُولَنَّ أَحَدُكُمْ: الَّلهُمَّ أَدْخِلْنِي مُسْتَقَرَّ رَحْمَتِكَ، فَإِنَّ مُسْتَقَرَّ رَحْمَتِهِ نَفْسُهُ
فَقَدْ أَخْبَرَ أَبُو البَخْتَرِيِّ أَنَّ رَحْمَةَ اللَّهِ فِي نَفْسِهِ ”
قال ابن تيمية في بيان تلبيس الجهمية:
” فهذا الكلام عن عثمان بن سعيد يبين أن مُسمىٰ النفس عند السلف وهو الذات كما قال:
(فنفس اللَّه، هو اللَّه، والنفس تجمع الصفات كلها، فإذا نفيت النفس نفيت الصفات)
وكذلك قوله: (فأخبر أبو البختري أن رحمة اللَّه في نفسه)
لأن الصفة قائمة بالموصوف، فهذا ونحوه يبين مرادهم وأنهم قصدوا رد ما أنكرته الجهمية من ذكر إثبات مسمى النفس للَّه وقيام العلم بها، وبذلك يتبين ما ذكره عثمان بن سعيد حيث قال:
(حتىٰ ادعىٰ جهم أن رأس محنته نفي الكلام، فقال: متىٰ نفينا عنه الكلام فقد نفينا عنه جميع الصفات من النفس واليدين والوجه والسمع والبصر، لأن الكلام لا يثبت إلاَّ لذي نفس ووجه ويد وسمع وبصر
وقال عثمان: كذبوا فيما نفوا عن اللَّه من الكلام، وصدقوا فيما ادعوا أنه لا يثبت الكلام إلاَّ لمن اجتمعت فيه هذه الصفات وقد اجتمعت في اللَّه عز وجل علىٰ رغم أنفسهم)
فإدخاله النفس هنا في الصفات وقوله إن الكلام لا يثبت إلاَّ لذي نفس ووجه ويد وسمع وبصر قد يشعر ظاهره أن مسمىٰ النفس صفة لصاحبها لأنه أضافها إليه وقرنها بالوجه واليد
وليس كذلك فإن إضافتها إليه كإضافتها في قوله: {تَعْلَمُ مَا فِي نَفْسِي وَلَا أَعْلَمُ مَا فِي نَفْسِكَ}، وفي قوله {كتب رَبُّكُمْ عَلَى نَفْسِهِ الرَّحْمَةَ}
وقد قال بعد هذا: (فنفس اللَّه، هي اللّه، والنفس تجمع الصفات كلها) ”
وبهذا يتقوى جانب القائلين بأن النفس هي الذات
وقد قال الدارمي في نقضه أيضًا:
”وَقوْلُ جَهْمٍ: لَا يُوصَفُ اللَّهُ بِالضَّمِيرِ، يَقُولُ: لَمْ يَعْلَمِ اللَّهُ فِي نَفْسِهِ شَيْئًا مِنَ الخَلْقِ قَبْلَ حُدُوثِهِمْ وَحُدُوثِ أَعْمَالِهِمْ، وَهَذَا أَصْلٌ كَبِيرٌ فِي تَعْطِيلِ النَّفْسِ وَالعِلْمِ السَّابِقِ، وَالنَّاقِضُ عَلَيْهِ بِذَلِكَ قَوْلُ اللَّهِ تَعَالَىٰ: {تَعْلَمُ مَا فِي نَفْسِي وَلَا أَعْلَمُ مَا فِي نَفْسِكَ}
فَذكر المَسِيحُ أَنَّ للَّهِ عِلْمًا سَابِقًا فِي نَفسه، يُعلمهُ اللَّهُ، ولا يعلَمه”
فجعل العلم السابق قائمًا بالنفس، والصفة لا تقوم بصفة أخرىٰ وإنما تقوم بموصوفها، فهذا يبين أكثر أن مراد الدارمي رحمه اللَّه بالنفس أي الذات
صل اللهم وسلم علىٰ نبينا محمد
تعليقات
إرسال تعليق