مراد أبي حاتم الرازي بضعيف الحديث...

بسم اللَّه اللطيف الخبير وبه أستعين والصلاة والسلام علىٰ رسوله الرؤوف الرحيم، وبعد:

فما مراد الإمام أبي حاتم الرازي بقوله: ”ضعيف الحديث"؟

والجواب اختصارًا: مراده بذلك الضعف الشديد أي درجة المتروك غالبًا إذ هو يقرن المتروك والمنكر بلفظة: ”ضعيف الحديث”

فيجعل هذه الألفاظ بمعنىً واحد في غير موضع، ولا يمكن أنه يريد ضعف الرجل بشدة وعدم ذلك في نفس الوقت

هذا مع إطلاقه لتلك اللفظة في متروكين لا خلاف في شدة ضعفهم، أو علىٰ أناس جرحهم جارح بشدة أو جرحهم عموم الأئمة بشدة فيحمل كلام أبي حاتم علىٰ الموافقة 

وأقول تفصيلًا سنعرف مراده بتلك اللفظة من خلال كتاب الجرح والتعديل لابنه عبد الرحمن رحمهما اللَّه تعالىٰ

١ - قال أبو حاتم في إبراهيم بن يزيد الخوزي: (ضعيف الحديث منكر الحديث.)

وهذا من أصرح ما يبين مراده بضعيف الحديث

وقد قال أبو زرعة: (منكر الحديث)، هذا جرح شديد، وأبو حاتم قد قيل في غير راوٍ أنه متروك - كعبد اللَّه بن عامر الأسلمي - فيقول: (ضعيف الحديث ليس بالمتروك)

ليبين بذلك أنه يخالف من جرحه بشدة، فإذا لم يفعل ذلك فالأصل حمل كلامه علىٰ الموافقة، هذا ولأن الأصل عدم الاختلاف بين الأئمة فيمن ضعفه شديد وبين

٢ - قال أبو حاتم في جرير بن أيوب البجلي: (منكر الحديث وهو ضعيف الحديث وهو أوثق من أخيه يحيىٰ يكتب حديثه ولا يحتج به.)

كلامه واضح إلا أن قوله: (يكتب حديثه)، يدل علىٰ أن له اصطلاحًا خاصًا في هذه اللفظة، فهو لا يريد بها أن الراوي ضعفه ليس بشديد 

وقد قال أبو زرعة: (منكر الحديث)، وهذا جرح شديد، وقال البخاري: (منكر الحديث)، وقال النسائي: (متروك)، ورمي بوضع الحديث

٣ - قال أبو حاتم في مبارك بن سحيم: (منكر الحديث، ضعيف الحديث)

وقال أبو زرعة: (واهي الحديث، منكر الحديث)، وقال أحمد: (اضربوا عليه)، فيحمل كلام أبي حاتم علىٰ الموافقة

٤ - قال أبو حاتم في أبي شيبة الواسطي: (ضعيف الحديث، منكر الحديث، يكتب حديثه ولا يحتج به)

وقال أحمد وابن معين: (ليس بشيء)، وقال أبو زرعة: (ليس بقوي)

وهذه اللفظة من أبي زرعة بحذف الألف واللام تضعيف شديد

٥ - قال في راوٍ يقال له أيوب بن سيار الزهري: (ضعيف الحديث، منكر الحديث)

وقال عمرو بن علي الفلاس رحمه اللَّه: (منكر الحديث جدًّا)، وهذا جرح عظيم، وقال ابن معين: (ليس بشيء)، وقال البخاري والدارقطني: (منكر الحديث)، وتركه النسائي

٦ - قال في ناصر بن عبد اللَّه الحائك: (ضعيف الحديث، منكر الحديث)

٧ - قال عن عبد اللَّه بن دكين: (منكر الحديث، ضعيف الحديث)

٨ - قال في عمرو بن دينار قهرمان آل الزبير عليه السلام: (ضعيف الحديث، عامة حديثه منكر)

أقول: الذي يغلب علىٰ حديثه النكارة أو الوهم والغلط متروك عند جمهور أهل الحديث 

قال عبد الرحمن بن مهدي كما في التمييز لمسلم رحمه اللَّه: (وأخر الغالب علىٰ حديثه الوهم، فهذا يترك حديثه)

فيحمل قوله: (ضعيف الحديث)، علىٰ أنه متروك

وقد جرح عمرو أئمة بشدة فيحمل كلام أبي حاتم علىٰ الموافقة 

٩ - قال عن عباد بن صهيب: (ضعيف الحديث، منكر الحديث، تُرِكَ حديثه)

وهذا يكفي فيه قول ابن أبي حاتم بنفسه: (روىٰ عنه من لم يفهم العلم)

وقال أبو بكر بن أبي شيبة: (تركنا حديث عباد بن صهيب)، وقال ابن المديني من طريق أبي حاتم: (ذهب حديثه)، وهذا جرح شديد

ورواية أبو حاتم لهذا إقرار ما لم يعارض

١٠ - قال عن يزيد بن عبد الملك النوفلي: (ضعيف الحديث، منكر الحديث جدًّا)

وهذا من أصرح ما يبين مراده بضعيف الحديث، وقال أبو زرعة: (منكر الحديث)

١١ - قال عن علي بن يزيد الألهاني: (منكر الحديث، ضعيف الحديث)

١٢ - قال عن كثير بن عبد اللَّه الإيلي البصري: (هو منكر الحديث، ضعيف الحديث جدًّا، شبه المتروك)

١٣ - قال عن موسىٰ بن محمد بن إبراهيم التيمي: (ضعيف الحديث، منكر الحديث)

١٤ - قال عن سعيد بن راشد السماك: (ضعيف الحديث، منكر الحديث)

١٥ - قال عن سليمان بن داود اليمامي: (هو ضعيف الحديث، منكر الحديث، ما أعلم له حديثًا صحيحًا)

وقال: (أبو الأسباط بشر بن رافع الحارثي ضعيف الحديث منكر الحديث لا ترىٰ له حديثًا قائمًا)

أتيت بكلامه في هذا الراوي أيضًا لتقارب قوله: (ما أعلم له حديثًا صحيحًا)، مع قوله: (لا ترىٰ له حديثًا قائمًا)

١٦ - قال عن الحكم بن يعلىٰ الكوفي: (ضعيف الحديث، منكر الحديث)

كأنه يفسر ضعيف الحديث بما بعدها

١٧ - قال حماد بن عبد الرحمن الكلبي: (هو مجهول، منكر، ضعيف الحديث)

هنا بالعكس، كأنه يفسر منكر الحديث بما بعدها

١٨ - قال عن حمزة بن أبي محمد: (ضعيف الحديث، منكر الحديث، لم يروِ عنه غير حاتم)

حاتم المقصود بكلامه هو ابن إسماعيل

١٩ - قال عن عبيد اللَّه بن أبي حميد: (منكر الحديث، ضعيف الحديث)

وقال أحمد: (ترك الناس حديثه)

٢٠ - قال عن ثابت بن زهير: (منكر الحديث، ضعيف الحديث، لا يُشتغل به)

٢١ - قال عن محمد بن عون الخرساني: (منكر الحديث، ضعيف الحديث)

٢٢ - قال سعيد بن زربي: (ضعيف الحديث، منكر الحديث، عنده عجائب من المناكير)

٢٣ - قال عن سعيد بن طريف: (منكر الحديث، ضعيف الحديث، متروك الحديث)

٢٤ - قال عن عبد اللَّه بن خراش: (منكر الحديث، ذاهب الحديث، ضعيف الحديث)

٢٥ - قال عن إبراهيم بن أعين الشيباني: (ضعيف الحديث، منكر الحديث)

٢٦ - قال أبو حاتم في أبي أمية بن يعلىٰ: (ضعيف، أحاديثه منكرة)

٢٧ - قال ابن أبي حاتم: (سألت أبي عن حنش الهمداني، فقال: هو حسين بن قيس، وحنش لقب، وهو ضعيف الحديث، منكر الحديث.)

وقال أبو زرعة: (ضعيف)، وكلامه محمول علىٰ الموافقة 

٢٨ - قال عن حكيم بن نافع الرقي: (هو ضعيف الحديث، منكر الحديث عن الثقات)

وقال أبو زرعة: (ليس بشيء)، هذا جرح شديد فكلام أبي حاتم محمول علىٰ الموافقة

٢٩ - قال عن صالح بن موسىٰ الطلحي: (ضعيف الحديث، منكر الحديث جدًّا)

٣٠ - قال عن عبد العزيز بن عمران: (متروك الحديث، ضعيف الحديث، منكر الحديث جدًّا

قلت -ابن أبي حاتم-: يكتب حديثه؟، قال: علىٰ الاعتبار)

هذا يوضح أن لفظة: (يكتب حديثه)، لا تنافي عنده شدة ضعف الراوي

وأنه يريد بهذه اللفظة اصطلاحًا خاصًا، وقد عرفناه من كلامه وللَّه الحمد

٣١ - قال عن محمد بن صفوان بن عثمان: ( هو منكر الحديث، ضعيف الحديث)

هذا قد قال فيه ابن معين: (ليس بشيء)، وقال أبو زرعة: (ليس بقوي)، وهذان جرحان شديدان

٣٢ - قال عن عن إبراهيم بن الفضل المديني: (ضعيف الحديث، منكر الحديث)

٣٣ - قال عن يحيىٰ بن كثير البصري: (ضعيف الحديث)

وقال في موضع أخر: (ضعيف الحديث ذاهب الحديث جدًّا)، وهذا يوضح مراده بكلمته الأولىٰ

٣٤ - قال عن بشر بن رافع الحارثي: (ضعيف الحديث، لا ترىٰ له حديثًا قائمًا)

ذكرنا أن الذي يغلب عليه الوهم متروك، فقوله: (لا ترىٰ له حديثًا قائمًا)، يعني أنه متروك، فهذا مراده بضعيف الحديث

٣٥ - قال عن عبد الوهاب بن مجاهد: (ضعيف الحديث)

وهذا قد كذبه الثوري، وقال أحمد وابن معين: (ليس بشيء)، وقال النسائي: (متروك)

فكلام أبي حاتم يحمل علىٰ الموافقة لشدة الجرح، ولأنه لم يعقب بعد لفظة ضعيف بقوله: (ليس بالمتروك)، وما شابه

٣٦ - قال عن محمد بن عون الخراساني: (ضعيف الحديث، منكر الحديث)

٣٧ - قال عن خصيب بن جحدر: (ضعيف الحديث)

وهذا كذبه القطان وابن معين، وتركه أحمد وجرحه النسائي بشدة، فكلام أبي حاتم محمول علىٰ الموافقة

٣٨ - قال عن اليمان بن المغيرة: (ضعيف الحديث، منكر الحديث)

٣٩ - قال عن إسماعيل بن يحيىٰ التميمي: (ضعيف الحديث)، وقال في موضع أخر: (قال ابن نمير: ضعيف جدًّا)

وهذا من أوضح ما يبين مراده بضعيف الحديث

٤٠ - قال عن إسحاق بن إدريس الأسواري: (ضعيف الحديث)

وقال في موضع أخر: (تركه ابن المديني)، وقد أقر قوله فرواه بلا مخالفة، فمراده بضعيف الحديث أنه متروك

وقال أبو زرعة: (واهي الحديث)، وتركه الدارقطني والنسائي، وقال البخاري: (تركه الناس)، فكلام أبي حاتم محمول علىٰ الترك

٤١ - قال عن إسماعيل بن سلمان الأزرق: (ضعيف الحديث)

وقال ابن معين: (ليس بشيء)، وقال أبو زرعة: (واهي الحديث)، وتركه النسائي، فكلام أبي حاتم محمول علىٰ الموافقة

٤٢ - قال عن عبد اللَّه بن المحرر: (منكر الحديث، ضعيف الحديث، تركه ابن المبارك)

٤٣ - قال عن محمد بن الفرات: (ضعيف الحديث، ذاهب الحديث)

٤٤ - قال عن الوازع بن نافع: (ضعيف الحديث)، وقال: (ذاهب الحديث)

٤٥ - قال عن سلام بن سلم الطويل: (ضعيف الحديث، تركوه)

كلام الأخير صريح في تفسير الضعف عنده

وسلام الطويل هذا له حديث عند الحاكم في مستدركه يروي فيه عن الصحابي معقل بن يسار عليه السلام حديث: ( يا ابن آدم تفرع لعبادتي ... )

ولكن الحاكم غير اسمه فقال: (سلام بن أبي مطيع)، والرواية الصحيحة عند الطبراني عن سلام الطويل، فهي رواية منكرة، واللَّه المستعان

٤٥ - قال عن عمرو بن شمر: (منكر الحديث جدًّا، ضعيف الحديث، لا يشتغل به، تركوه)

قوله: (تركوه)، يدل علىٰ أنه يعتد بترك الأئمة عمومًا بالأصل وأنه إن خالف فسيبين

٤٦ - قال ابن أبي حاتم: (سألت أبي عن كوثر بن حكيم، فقال: ضعيف الحديث، قلت: متروك الحديث؟، قال لا أعلم له حديثًا مستقيمًا)

هذا يوضح أنه قصد الترك، وقد تركه أحمد وابن معين والبخاري والنسائي وأبو نعيم الأصبهاني، فكلام أبي حاتم محمول علىٰ الموافقة قطعًا

٤٧ - قال عن عبد الجبار بن عمر الإيلي: (ضعيف الحديث، منكر الحديث جدًّا)

وسأعرض أخيرًا بعض نصوص أبي حاتم المبينة لكونه يستعمل الترك بمعنىٰ الضعف المحتمل آحيانًا

قال أبو حاتم عن سليمان بن يسير: (ضعيف الحديث ليس بمتروك)

وهذا جرحه بشدة الفلاس وابن معين وأبو زرعة والنسائي وأحمد، وترك يحيىٰ القطان وابن مهدي الرواية عنه وهذا جرح

فلما قال أبو حاتم: (ليس بمتروك)، كأنه أشار بهذا إلىٰ مخالفته للأئمة

قال أبو حاتم عن عبد اللَّه بن عامر الأسلمي: (ضعيف، ليس بالمتروك)

لولا قوله ليس بالمتروك لكان الغالب أنه قصد الترك بقوله: (ضعيف)

قال عن إسماعيل بن مسلم المكي العبدي: (ضعيف الحديث ليس بمتروك)

وهذا تركه حديثه القطان وابن مهدي، وجرحه بشدة ابن معين وأحمد، وتركه النسائي

قال عن يحيىٰ بن بريد: (ضعيف الحديث، ليس بالمتروك، يكتب حديثه)

والكلام يطول، وصل اللهم وسلم علىٰ نبينا محمد

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

الخلاف في صفة الهرولة...

دلالة الحس علىٰ الخالق وصفاته وأفعاله...

هل تثبت صفة البشبشة؟