هل ثبت حديث عظيم البطن؟
بسم اللَّه وبه أستعين والصلاة والسلام علىٰ رسوله وصحبه وأهل بيته أجمعين، وبعد:
قال الإمام أحمد في المسند:
” ١٨٩٨٤ - حدثنا وكيع، حدثنا شعبة، حدثنا أبو إسرائيل الجشمي، عن شيخ لهم يقال له: جعدة أن النبي ﷺ رأىٰ لرجل رؤيا، قال: فبعث إليه، فجاء، فجعل يقصها عليه، وكان الرجل عظيم البطن
قال: فجعل يقول: بأصبعه في بطنه: لو كان هذا في غير هذا، لكان خيرًا لك ”
أقول: أبو إسرائيل هو شعيب البصري مولىٰ بني جشم لم يرو عنه غير شعبة، ولهذا ضعف الألباني الحديث بجهالة أبي إسرائيل
والصواب أنه غير مجهول لا عينًا ولا حالًا إذ ذُكِرَ اسمه ونسبه فذُكِرَ أنه جشمي وأنه رجل منهم أي من بني جشم
فهذه المعلومات كلها تدفع جهالة العين، وتؤكد وجود الرجل حقيقةً، وأن ذكره لم يكن وهمًا من الراوي بالاسم وما شابه
ولا يلزم دائمًا رواية اثنين فصاعدًا لزوال جهالة العين فقد تزول بما ذكرت أو برواية رجل متحرٍ لا يروي إلا عن ثقة
وأما جهالة الحال فقد روىٰ عن أبي إسرائيل شعبة، وشعبة ممن ينتقي في الرجال فروايته تعديل، فهذا يزيل جهالة الحال وحتىٰ جهالة العين
قال أبو داود في سؤالاته:
” قلت لأحمد: إذا روىٰ يحيىٰ أو عبد الرحمن بن مهدي عن رجل مجهول، يحتج بحديثه؟، قال: يحتج بحديثه ”
وهذا يقال في كل من ينتقي كشعبة وغيره
وقال ابن رجب في شرح علل الترمذي:
” وقال يعقوب بن شيبة: قلت ليحيىٰ بن معين: متىٰ يكون الرجل معروفًا؟، إذا روىٰ عنه كم؟
قال: إذا روىٰ عن الرجل مثل ابن سيرين والشعبي، وهؤلاء أهل العلم، فهو غير مجهول
قلت: فإذا روىٰ عن الرجل مثل سماك بن حرب، وأبي إسحاق، قال: هؤلاء يروون عن مجهولين، انتهىٰ
وهذا تفصيل حسن ”
وشعبة من أمثال الشعبي الذين قيل أنهم لا يروون إلا عن ثقة
قال ابن أبي حاتم في مقدمة الجرح والتعديل:
” سمعت أبي يقول، إذا رأيت شعبة يحدث عن رجل فأعلم أنه ثقة إلا نفرًا بأعيانهم ”
انظر كيف أنه لم يجعل الاستثناء ملغيًا للأصل ولا لانتقاء شعبة رحمه اللَّه، فالأصل أنه لا يروي إلا عن ثقة
فإن وجدنا معارضًا لطرد هذا الأصل في مثال معين فأهلًا وسهلًا، وإلا فالأصل باقٍ
قال أحمد بن محمد بن أبي بكر المقدمي في كتاب التاريخ وأسماء المحدثين وكناهم:
” حدثنا أبي قال: حدثنا علي بن المديني، عن قرة بن سليمان قال: قال لي مالك بن أنس: شعبتكم يشدّد في الرجال ويروي عن عاصم بن عبيد اللَّه ”
كلام مالك رحمه اللَّه يدل علىٰ أن الأصل تشدد شعبة في الرجال فلا يُدفَع هذا الأمر
ولا يعل الأثر بضعف قرة بن سليمان فهو يروي كلام شيخه المباشر ولا يروي حديثًا مسندًا، وبين الأثنين فرق بين
قال ابن معين عن الراوي أبي معشر وهو ضعيف: ( يُتقَى إذ يروي من حديثه المسند )
ومفهوم هذا أن غير المسند يحتمل منه
وقال علي بن المديني عنه: ( ما روى عن محمد بن قيس فهو صالح )
يعني أن ما رواه عن شيخه المباشر ذاك فهو صالح، فهذا الأصل
وقد صحح ابن معين رحمه اللَّه صحبة جعدة الذي روىٰ عنه أبو إسرائيل، وأثبت له رؤية النبي ﷺ
وتصحيحه حديث أبي إسرائيل يعني تعديله عنده
قال الدوري في تاريخ ابن معين [٤٦]:
” ١٨٧ - سمعت يحيىٰ يقول جعدة بن هبيرة لم يسمع من النبي ﷺ شيئًا
وجعدة الذي يروي عنه أبو إسرائيل يقول: جعدة الجشمي قد رأى النبي ﷺ
١٨٨ - حدثنا العباس قال: حدثنا شبابة بن سوار قال: حدثنا شعبة، عن أبي إسرائيل عن جعدة الجشمي قال: رأيت النبي ﷺ يشير إلىٰ بطن رجل سمين ويقول: لو كان هذا في غير هذا كان خيرًا لك ”
هذا مع تعديل شعبة لأبي إسرائيل بالرواية عنه يزيل شبهة الجهالة يقينًا وللَّه الحمد
وجعدة هذا هو الجشمي صحابي رضي اللَّه عنه، وليس هو جعدة بن هبيرة كما ظن ذاك الألباني رحمه اللَّه
فقد جاء في الحديث أنه الجشمي مذكورًا بنسبه، وجاء أنه رجل منهم أي من بني جشم
ونص علىٰ أن الذي روىٰ عنه أبي إسرائيل هو جعدة الجشمي ابن معين كما تقدم وأبو حاتم
قال ابن أبي حاتم في الجرح والتعديل:
” ٢١٨٦ - جعدة الجشمي له صحبة بصري روىٰ عنه مولاه أبو إسرائيل سمعت أبي يقول ذلك ”
وذكر أبو نعيم وابن عبد البر أن الذي روىٰ عنه أبو إسرائيل هو جعدة الجشمي رضي اللَّه عنه
قال ابن عبد البر في الاستيعاب في معرفة الأصحاب:
” (٣٢٦) جعدة الجشمي، هو جعدة بن خالد بن الصمة الجشمي
حديثه في البصريين عند شعبة، عن أبي إسرائيل الجشمي مولىٰ لهم، واسم أبي إسرائيل هذا شعيب ”
زقال أبو نعيم في معرفة الصحابة [٦١٧]:
” جعدة الجشمي قال يزيد بن زريع: هو جعدة بن خالد بن الصمة الجشمي، تفرد بالرواية عنه أبو إسرائيل الجشمي، يعد في الكوفيين ”
وأما ما ذكره ابن حبان من أنه جعدة بن هبيرة فهذا غلط
واللَّه العالم، وصل اللهم وسلم علىٰ نبينا محمد
تعليقات
إرسال تعليق