الكلام عن حديث كان النبي ﷺ يدلع لسانه للحسين...
بسم اللَّه الرفيق والصلاة والسلام علىٰ رسوله الوفيق، وبعد:
قال ابن حبان في صحيحه:
” ذكر ملاعبة المصطفى ﷺ الحسين بن علي بن أبي طالب رضوان اللَّه عليهما.
٣٣١٢ - أخبرنا الحسن بن سفيان، حدثنا وهب بن بقية، أخبرنا خالد بن عبد اللَّه، عن محمد بن عمرو، عن أبي سلمة، عن أبي هريرة، قال: كان النبي ﷺ يدلع لسانه للحسين، فيرىٰ الصبي حمرة لسانه، فيهش إليه
فقال له عيينة بن بدر: ألا أراه يصنع هذا بهذا، فواللَّه إنه ليكون لي الولد قد خرج وجهه وما قبلته قط
فقال النبي ﷺ: من لا يرحم لا يرحم ”
أقول: محمد بن عمرو بن علقمة الليثي خرج له أصحاب الصحيح متابعةً ولم يحتجوا به
وهو من الذين يتأرجون بين رتبة الصدوق الذي يهم ويغلط وبين ورتبة الضعيف المحتمل
وحديث تلك الطبقة ممن اختلف فيهم الناس فضعفهم بعض أهل الجرح والتعديل وعدلهم أخرين يوجب الحذر والنظر
فما أكثر غلط تلك الطبقة ولولاه ما تُكلِّم فيهم
وغالب الغلط إنما هو رفع منهم ووصل للحديث، وكذا غالب غلط أي راوٍ إنما يكون بالرفع والوصل أي بسلوك الجادة
وبجمع الطرق والمرويات ومقابلتها ببعضها البعض تُكشَف العلل الخفية، وتُعرَف الأغلاط الجلية
قال أبو الحسين مسلم بن الحجاج في التمييز:
” فبجمع هَذِه الرِّوَايَات ومقابلة بَعْضهَا بِبَعْض تتَمَيَّز صحيحها من سقيمها وتتبين رُوَاة ضِعَاف الأخبار من أضدادهم من الْحفاظ ”
وعلىٰ هذا فالنظر في حديث محمد بن عمرو رحمه اللَّه ومن كان بمثل حاله لا يُستَكمل إلا بجمع الطرق والمرويات حتىٰ يُعرَف الغلط في الحديث من الصواب والعلة فيه من الصحة
وأما حديث محمد بن عمرو الذي ذكرت مسبقًا ففيه كلام
قال هناد بن السري في الزهد:
” حدثنا عبدة، عن محمد بن عمرو، ثنا أبو سلمة أن رسول اللَّه ﷺ كان يدلع لسانه للحسين وإذا رأىٰ الصبي حمرة اللسان بهش إليه بيده، يقول: تناوله
فقال له عيينة بن بدر: ألا أراك تصنع هذا بهذا إنه ليكون الرجل من ولدي قد خرج وجهه وأخذ بلحيته ما قبلته قط، فقال له: من لا يرحم لا يرحم ”
وقد تابع عبدة بن سليمان يزيد بن هارون
قال أبو عبيد القاسم بن سلام في غريب الحديث:
” ٣٠٦ - في حديث النبي ﷺ أنه كان يدلع لسانه للحسن بن علي فإذا رأى الصبي حمرة لسانه بهش إليه
حدثناه يزيد، عن محمد بن عمرو، عن أبي سلمة يرفعه ”
وقد تابع أبو عبيد الحسن بن أبي الربيع وابن سعد عن يزيد عن أبي سلمة دون ذكر أبي هريرة رضي اللَّه عنه
وكذا روىٰ الحديث مرسلًا ابن سعد عن محمد بن بشر العبدي، وقد خالفه أبو بكر بن أبي شيبة فرواه عنه مرفوعًا
والذي يظهر أن الغلط ليس من أبي بكر هاهنا حين رفع عن من محمد بن بشر ولا من خالد بن عبد اللَّه حين رفع عن محمد بن عمرو بل يظهر أن محمدًا بن عمرو اضطرب فرواه مرفوعًا تارةً ومرسلًا تارةً
وكان يضطرب حتىٰ اتقىٰ الناس حديثه
قال ابن أبي خيثمة في التاريخ:
( ٣١٤٣ - سمعت يحيىٰ بن معين يقول: لم يزل الناس يتقون حديث محمد بن عمرو
قيل له: وما علة ذلك؟ قال: كان محمد بن عمرو يحدث مرة عن أبي سلمة بالشيء رأيه، ثم يحدث به مرة أخرىٰ عن أبي سلمة عن أبي هريرة )
وقد عُثِرَ وعُرِفَ عن محمد بن عمرو الاضطراب والغلط في مواضع أخرىٰ فالحمل عليه أولىٰ من خالد الطحان ومحمد بن بشر معاً
وقد قال مسلم بن الحجاج في التمييز:
” قد بَينا من ذكر أَسَانِيد الْمُغيرَة فِي الْمسْح بِخِلَاف مَا روىٰ ابُو قيس عَن هزيل عَن الْمُغيرَة مَا قد اقتصصناه
وهم من التَّابِعين وأجلتهم مثل مَسْرُوق وَذكر من قد تقدم ذكرهم فَكل هَؤُلَاءِ قد اتَّفقُوا علىٰ خلاف رِوَايَة أبي قيس عَن هزيل وَمن خَالف خلاف بعض هَؤُلَاءِ بَين لاهل الْفَهم من الْحِفْظ فِي نقل هَذَا الْخَبَر
وَنحمل ذَلِك، والْحمل فِيهِ على أبي قيس أشبه وَبِه أولىٰ منْهُ بهزيل لَأن أَبَا قيس قد استنكر أهل الْعلم من رِوَايَته أَخْبَارًا غير هَذَا الْخَبَر سنذكرها فِي موَاضعهَا إن شَاءَ اللَّه ”
وما ذكره مسلم منهج عام في تغليط الرواة
هذا وقد خالف الزهري محمد بن عمرو فروىٰ الحديث من نفس المخرج فجعل القصة في التقبيل وذكر فيها الأقرع بن حابس لا عيينة بن بدر رضي اللَّه عنهما
فإن قيل: هذا محمول علىٰ اختلاف القصة وإن اتفق المخرج
قيل: إنما يُحتَمل ذلك إن كان الراويان حافظان كبيران وتنوعت المخارج عنهما
فأما والحال تلك فلا، واضطراب الراوي وغلطه في السند دليل علىٰ غلطه بالمتن الذي خولف فيه وأنه ليس من باب الاختلاف المحتمل
قال مسلم في التمييز:
” ٥٨ - حَدثنَا أَبُو بكر، ثَنَا أَبُو خَالِد، عَن أَيمن، عَن أبي الزبير، عَن جَابر، عَن النَّبِي ﷺ أنَّه كَانَ يَقُول: بِسم اللَّه وَبِاللَّهِ والتحيات للَّه
قَالَ أَبُو الْحُسَيْن: هَذِه الرِّوَايَة من التَّشَهُّد وَالتَّشَهُّد غير ثَابت الإسناد والمتن جَمِيعًا، وَالثَّابِت مَا رَوَاهُ اللَّيْث وَعبد الرَّحْمَن بن حميد فتابع فِيهِ فِي بعضه فِيمَا:
٥٩ - حَدثنَا قُتَيْبَة، ثَنَا اللَّيْث، وثنا أَبُو بكر ثَنَا يحيىٰ بن آدم، ثَنَا عبد الرَّحْمَن بن حميد، حَدثنِي أَبُو الزبير، عَن طَاوُوس، عَن ابْن عَبَّاس قَالَ: كَانَ رَسُول اللَّه ﷺ يعلمنَا التَّشَهُّد كَمَا يعلمنَا السُّورَة من الْقُرْآن
فقد اتّفق اللَّيْث وَعبد الرَّحْمَن بن حميد الرُّؤَاسِي عَن أبي الزبير عَن طَاوُوس، وروى اللَّيْث فَقَالَ: عَن سعيد بن جُبَير عَن ابْن عَبَّاس
وكل وَاحِد من هذَيْن عِنْد أهل الحَدِيث أثبت فِي الرِّوَايَة من أَيمن
وَلم يذكر اللَّيْث فِي رِوَايَته حِين وصف التَّشَهُّد: بِسم اللَّه وَبِاللَّهِ
فَلَمَّا بَان الْوَهم فِي حفظ أَيمن لإسناد الحَدِيث بِخِلَاف اللَّيْث وَعبد الرَّحْمَن إياه: دخل الْوَهم أَيْضًا فِي زِيَادَته فِي الْمَتْن فَلَا يثبت مَا زَاد فِيهِ ”
فاستدل الإمام مسلم بغلطه في السند علىٰ غلطه في المتن الذي خالف فيه غيره بزيادة
وكذلك نقول: لما بان اضطرب محمد بن عمرو في السند بان غلطه في المتن الذي خالف فيه غيره بتغيير
فحديث محمد بن عمرو منكر مجزوم بنكارته، ولا جرم أن الزهري أولىٰ منه
وقد حسن حديث محمد بن عمرو عند ابن حبان الألباني وغيره، وهو لا يصح، فيجدر التنبه والحذر لئلا يُنسَب حديث مجزوم بنكارته إلىٰ النبي ﷺ دون بيان
هذا وصل اللهم وسلم علىٰ نبينا محمد
تعليقات
إرسال تعليق