زيادة الإيمان ونقصانه بالعمل...
بسم اللَّه والصلاة والسلام علىٰ رسول اللَّه وعلىٰ أهله وأصحابه ومن ولاه، وبعد:
فقد قال الخلال في السنة:
” أخبرنا محمد بن علي، قال: ثنا صالح، قال: سألت أبي، ما زيادته ونقصانه؟، قال: زيادته العمل، ونقصانه ترك العمل
مثل تركه الصلاة، والزكاة، والحج، وأداء الفرائض، فهذا ينقص، ويزيد بالعمل
وقال: إن كان قبل زيادته تامًا، فكيف يزيد التام، فكما يزيد كذا ينقص، وقد كان وكيع قال: ترى إيمان الحجاج مثل إيمان أبي بكر وعمر رحمهما اللَّه
١٠٣٢ - وأخبرني محمد بن الحسين، أن الفضل حدثهم، أنه سمع أبا عبد اللَّه يقول: إنما الزيادة والنقصان في العمل، كيف يكون حاله إذا قتل النفس؟، أليس قد أوجب له النار، كيف يكون حاله إذا ارتكب الموبقات
١٠٣٥ - وأخبرنا أبو بكر المروذي، قال: سمعت أبا عبد اللَّه، يقول: قال اللَّه عز وجل: {فإن تابوا وأقاموا الصلاة وآتوا الزكاة فإخوانكم في الدين}، وقال تعالى: {وأقيموا الصلاة وآتوا الزكاة}
وقال: هذا من الإيمان، ثم قال أبو عبد اللَّه: فالإيمان قول وعمل، وقال: الزيادة في العمل، وذكر النقصان إذا زنى وسرق ”
مراهد بالقول قول الشهادتين الذي لا زيادة فيه ولا نقصان
والأثار حصرت زيادة الإيمان ونقصانه بالعمل فاستُشكِلَت إذ الزيادة والنقصان كائنة بفعل اللسان والقلب أيضًا
وهذا الاستشكال مردود بأن العمل يعم فعل اللسان والقلب كفعل الجوارح سواء
قال مسلم بن الحجاج في الصحيح:
” (٣٦) باب بيان كون الإيمان باللَّه تعالىٰ أفضل الأعمال
١٣٥ - (٨٣) وحدثنا منصور بن أبي مزاحم، حدثنا إبراهيم بن سعد، وحدثني محمد بن جعفر بن زياد، أخبرنا إبراهيم يعني ابن سعد، عن ابن شهاب، عن سعيد بن المسيب، عن أبي هريرة؛ قال:
سئل رسول اللَّه ﷺ: أي الأعمال أفضل؟، قال إيمان باللَّه، قال: ثم ماذا؟، قال: الجهاد في سبيل اللَّه، قال: ثم ماذا؟، قال: حج مبرور
وفي رواية محمد بن جعفر قال: إيمان باللَّه ورسوله ”
هذا الحديث دال علىٰ أن الإيمان باللَّه عمل، والإيمان باللَّه هو التصديق به عقدًا بالقلب وقولًا باللسان وفعلًا بالجوارح، فكل ذلك عمل
قال ابن قتيبة في غريب القرآن:
” وأصلُ الإيمانِ: التَّصدِيقُ، قَالَ: {وما أنت بمؤمن لنا ولو كنا صادقين}، أي: وما أنت بمُصدِّق ولو كنا صَادقِين
ويُقَال في الكَلَام: ما أومِن بشيء مما تَقُول، أي: ما أُصدِّق بذلك.
فإيمانُ العبدِ باللَّهِ: تصدِّيقُهُ قَولًا وعَملًا وعَقدًا. وقَد سمَّىٰ اللَّهُ الصلاةَ في كتابه إيمانًا فقَالَ: {وما كان اللَّه ليضيع إيمانكم}، أي: صلَاتكم إلىٰ بيتِ المَقدس ”
وقال أبو جعفر الطبري في صريح السنة:
” ٢٨ - حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَلِيِّ بْنِ الْحَسَنِ بْنِ شَقِيقٍ، قَالَ: سَأَلْنَا أَبَا عَبْدِ اللَّهِ أَحْمَدَ بْنَ حَنْبَلٍ رَحِمَهُ اللَّهُ عَنِ الْإِيمَانِ فِي مَعْنَىٰ الزِّيَادَةِ وَالنُّقْصَانِ
فَقَالَ: حَدَّثَنَا الْحَسَنُ بْنُ مُوسَىٰ الْأَشْيَبُ، حَدَّثَنَا حَمَّادُ بْنُ سَلَمَةَ، عَنْ أَبِي جَعْفَرٍ الْخَطْمِيِّ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ جَدِّهِ عُمَيْرِ بْنِ حَبِيبٍ قَالَ: الْإِيمَانُ يَزِيدُ وَيَنْقُصُ، فَقِيلَ: وَمَا زِيَادَتُهُ، وَمَا نُقْصَانُهُ؟
فَقَالَ: إِذَا ذَكَرْنَا اللَّهَ فَحَمِدْنَاهُ وَسَبَّحْنَاهُ فَذَلِكَ زِيَادَتُهُ، وَإِذَا غَفَلْنَا، وَضَيَّعْنَا، وَنَسِينَا فَذَلِكَ نُقْصَانُهُ ”
هذا إسناد صحيح للإمام أحمد
وانظر كيف أسند أثر عمير - وهو صحابي رضي اللَّه عنه - الذي ذكر فيه الإيمان بالزيادة والنقصان بفعل اللسان
وهذا يدل علىٰ أن فعل اللسان عند أحمد عمل يزيد الإيمان به وينقص بتركه
وقال الخلال في السنة:
” ١٠٠٤ - أَخْبَرَنَا أَبُو بَكْرٍ الْمَرُّوذِيُّ، قَالَ: قُلْتُ لِأَبِي عَبْدِ اللَّهِ: فِي مَعْرِفَةِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ فِي الْقَلْبِ، يُتَفَاضَلُ فِيهِ؟، قَالَ: نَعَمْ، قُلْتُ: وَيَزِيدُ؟، قَالَ: نَعَمْ ”
فهذا يدل علىٰ أن معرفة القلب وفعله عند الإمام عمل يزيد فيزداد الإيمان به وينقص فينقص الإيمان به
فما قصد أحمد رحمه اللَّه بقيله: ( إنما الزيادة والنقصان بالعمل )، وما أشبهه إخراج فعل اللسان والقلب بل ذلك عنده عمل والأمر كذلك كما دلت النصوص
وقد بسط أبو عبيد القاسم بن سلام الاستدلال علىٰ أن فعل اللسان والقلب عمل فاستدل علىٰ ذلك من النصوص فبين بيانًا حسنًا
قال في رسالة الإيمان له:
” وإنما هو عمل من أعمال تعبد اللَّه به عباده، وفرضه علىٰ جوارحهم، وجعل أصله في معرفة القلب، ثم جعل المنطق شاهدًا عليه، ثم الأعمال مصدقة له
وإنما أعطىٰ اللَّه كل جارحة عملًا لم يعطه الأخرىٰ، فعمل القلب: الاعتقاد، وعمل اللسان: القول، وعمل اليد: التناول، وعمل الرجل: المشي، وكلها يجمعها اسم العمل
فالإيمان علىٰ هذا التناول إنما هو كله مبني علىٰ العمل، من أوله إلىٰ آخره، إلا أنه يتفاضل في الدرجات علىٰ ما وصفنا
وزعم من خالفنا أن القول دون العمل، فهذا عندنا متناقض، لأنه إذا جعله قولًا فقد أقر أنه عمل وهو لا يدري بما أعلمتك من العلة الموهومة عند العرب في تسمية أفعال الجوارح عملًل
وتصديقه في تأويل الكتاب في عمل القلب واللسان، قول اللَّه في القلب: ﴿إلا من أكره وقلبه مطمئن بالإيمان﴾، وقال: ﴿إن تتوبا إلىٰ اللَّه فقد صغت قلوبكما﴾
قال: ﴿الذين إذا ذكر اللَّه وجلت قلوبهم﴾
وقال رسولُ اللَّهِ ﷺ: "إن في الجسد لمضغة إذا صلحت صلح سائر الجسد، وهي القلب"
وإذا كان القلب مطمئنًا مرة، ويصغىٰ أخرىٰ، ويوجل ثالثة، ثم يكون منه الصلاح والفساد، فأي عمل أكثر من هذا؟
ثم بين ما ذكرنا قوله: ﴿ويقولون في أنفسهم لولا يعذبنا اللَّه بما نقول﴾، فهذا ما في عمل القلب
وأما عمل اللسان، ققوله: ﴿يستخفون من الناس ولا يستخفون من اللَّه وهو معهم إذ يبيتون ما لا يرضىٰ من القول وكان اللَّه بما عملون محيطا﴾، فذكر القول ثم سماه عملًا
ثم قال: ﴿فإن كذبوك فقل لي عملي ولكم عملكم أنتم بريئون مما أعمل وأنا بريء مما تعملون﴾، هل كان عمل رسول اللَّه ﷺ معهم إلا دعاؤه إياهم إلىٰ اللَّه، وردهم عليه قوله بالتكذيب وقد أسماها هاهنا عملًا؟
وقال في موضع ثالث: ﴿قال قائل منهم إني كان لي قرين يقول أإنك لمن المصدقين﴾، إلىٰ: ﴿لمثل هذا فليعمل العاملون﴾
فهل يكون التصديق إلا بالقول وقد جعل صاحبها هاهنا عاملًا؟!
ثم قال: ﴿اعملوا آل داود شكرًا﴾، فأكثر ما يعرف الناس من الشكر أنه الحمد والثناء باللسان، وإن كانت المكافأة قد تدعىٰ شكرًا
فكل هذا الذي تأولنا إنما هو على ظاهر القرآن، وما وجدنا أهل العلم يتأولونه، واللَّه أعلم بما أراد، إلا أن هذا هو المستفيض في كلام العرب غير المدفوع تسميتهم الكلام عملًا
من ذلك أن يقال: لقد عمل فلان اليوم عملا كثيرًا، إذا نطق بحق وأقام الشهادة، ونحو هذا، وكذلك إن أسمع رجل صاحبه مكروهًا قيل قد عمل به الفاقرة، وفعل به الأفاعيل، ونحوه من القول، فسموه عملًغ، وهو لم يزده علىٰ المنطق. ”
وهذا كلام جامع حسن، وذكره أن ما تأوله في النصوص من تسمية فعل اللسان والقلب عملًا هو ما تأوله أهل العلم من السلف هذا من الفوائد الجليلة وللَّه الحمد
فهذا كذاك وصل اللهم وسلم علىٰ نبينا محمد
تعليقات
إرسال تعليق