ألا يرقأ دمعك ويذهب حزنك؟
بسم اللَّه ذو الفضل العظيم والصلاة والسلام علىٰ رسول اللَّه الأمين، وبعد:
فقد عُلِمَ ما لسعد بن معاذ عليه السلام من الفضيلة، أن عرش الرحمن قد اهتز له، وأن له مناديلًا في الجنان هي أحسن من حرير الدنيا، فهذا حق، غير أن له فضيلة ثابتة مغمورة، لا أُرَاها تُذكَرُ، وقد صحت وثبتت.
قالَ أبّو سعيدٍ الدارميِّ في نقضه علىٰ المَرِيسيِّ [٣٠٨ - تحقيق الشوامي]:
” (١٩٨) - حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّه بْنِ نُمَيْرٍ، ثَنَا يَزِيدُ بْنُ هَارُونَ، ثَنَا إِسْمَاعِيلُ، حَدَّثَنَا إِسْحَاقُ بْنُ رَاشِدٍ، عَنْ أَسْمَاءَ بِنْتِ يَزِيدَ بْنِ السَّكَنِ قَالَتْ: لمَّا تُوُفِّيَ سَعْدُ بْنُ مُعَاذٍ، صَاحَتْ أمُّهُ، فَقَالَ لَهَا رَسُولُ اللَّه ﷺ: أَلاَ يَرْقَأُ دَمْعُكِ، وَيَذْهَبُ حُزْنُكِ؟، فَإِنَّ ابْنَكِ أوَّلُ مَنْ ضَحِكَ اللَّهُ إِلَيْهِ. ”
إسحاق بن راشد هو الكوفي الذي روىٰ عن أسماء وعبد اللَّه بن الحسن كما ذكر الخطيب.
وليس هو بالجزري كما ذكر ابن خزيمة، ذاك مات متأخرًا حتىٰ يروي عن أسماء بنت يزيد عليها السلام.
وقد روىٰ عن إسحاق الذي في الأثر اثنان كما ذكر الخطيب في المفترق: إسماعيل بن أبي خالد، ومسعر بن كدام.
وفي المصنف لابن أبي شيبة رواية مسعر عنه، فهذا مع رواية إسماعيل يزيل جهالة العين عن إسحاق، وهي زائلة مع جهالة الحال من وجه أخر أساسًا وأصلًا.
وذاك أن قول الدارمي إثر الأثر:
”وَلَوْ كَانَ تَأْوِيلُ ضَحِكِهِ مَا شَبَّهْتَ بِهِ أَيُّهَا المُعَارِضُ مِنْ ضَحِكِ الزَّرْعِ، مَا كَانَ يَقُولُ النَّبِيُّ ﷺ: أَوَّلُ مَنْ ضَحِكَ اللَّهُ إِلَيْه، لِأَنَّ خُضْرَةَ الزَّرْعِ وَنَضَارَتَهُ بَادِيَةٌ لِأَوَّلِ نَاظِرٍ إِلَيْهَا وَآخِرٍ، لَا يَقْصِدُ بِضَحِكِهِ إِلَىٰ تَقِيٍّ، وَلَا يَصْرِفُهُ عَنْ شَقِيٍّ، فَكَمْ تَدْحَضُ فِي بَوْلِكَ، وَتَعْثُرُ فِي قَوْلِكَ، وتَغُرُّ مَنْ حَوْلَكَ! ”
هذا منه تثبيت لقيل النبي ﷺ واستدلال به، وهذا قاضٍ بتصحيح ما رواه إسحاق، فقاضٍ بتوثيقه وتثبيته.
وليس كل حديث الثقة صحيحاً، ولكن تصحيح الإمام الدارمي يجعلنا نطمئن من العلة الخفية.
وهذا المشار إليه جدير أن يتنبه له الباحث ويتنبه، فإن الأئمة قد يوثقون الراوي ويثبتونه بطرق غير مباشرة، ومن ذاك تصحيح ما رواه الراوي وتثبيته.
ومن ذلك تصحيح الترمذي حديثاً لراوٍ يقال له: عبد الرحمن بن عمرو السلمي، راوي حديث سنة الخلفاء الراشدين.
وقد ضعفه بعضهم بجهالة عبد الرحمن، وكيف ذاك، وقد صحح ما رواه الترمذي وأحمد كما في مسائل أبي داود.
وقد يكون ذلك التوثيق والتثبيت من الأئمة بالرواية، كما قد كان بعض الأئمة لا يروون إلا عن ثقة، كشعبة ويحيىٰ بن أبي كثير.
ومن ذلك رواية شعبة عن راويةٍ يقال لها: شميسة العتكية، وهي أم سلمة، رواية أثر عائشة في سجود التلاوة، أنها كانت تقوم، فتسجد.
وقد ضعفه النووي بجهالة أم سلمة، وعد الفعل من المحدثات.
وكيف ذاك، وشعبة لا يروي إلا عن ثقة، حتىٰ أن أبا حاتم الرازي قد وثق أحد الرواة بروايته عنه كما في الجرح والتعديل.
وأم سلمة امرأة تابعية تروي عن رؤية مباشرة، وهذا لا يعامل كالمرفوع أو المُسند، فإن الخطب فيه هين جدًّا.
والأئمة لا يروون المنكر والبدعة، بل ما كانوا يحدثون في السنن والاعتقاد بشيء لا يروه، فلا ينبغي وصف ما رواه أئمة بلا نكير بأنه من المحدثات!
وقالَ عبدُ اللَّهِ بن أحمد في السنة:
” ١٥١ - حَدَّثَنِي وَهْبُ بْنُ بَقِيَّةَ الْوَاسِطِيُّ، سَمِعْتُ وَكِيعَ بْنَ الْجَرَّاحِ، يَقُولُ: الْقُرْآنُ كَلَامُ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ، لَيْسَ بِالْمَخْلُوقِ.
سَمِعْتُهُ مِنْ وَكِيعٍ، وَأَثْبَتُّهُ عِنْدِي فِي كِتَابٍ، قَالَ وَهْبُ بْنُ بَقِيَّةَ: لَوْ لَمْ يَكُنْ رَأْيِي مَا حَدَّثْتُ بِهِ. ”
وقال:
” ٥٨٧ - حَدَّثَنِي أَبِي، نا وَكِيعٌ، بِحَدِيثِ إِسْرَائِيلَ عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ خَلِيفَةَ، عَنْ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ: إِذَا جَلَسَ الرَّبُّ عَزَّ وَجَلَّ عَلَىٰ الْكُرْسِيِّ.
فَاقْشَعَرَّ رَجُلٌ سَمَّاهُ أَبِي عِنْدَ وَكِيعٍ، فَغَضِبَ وَكِيعٌ، وَقَالَ: أَدْرَكْنَا الْأَعْمَشَ وَسُفْيَانَ يُحَدِّثُونَ بِهَذِهِ الْأَحَادِيثِ لَا يُنْكِرُونَهَا. ”
فاستدل وكيع برواية سفيان والأعمش علىٰ سلامة ما في الأثر من النكارة.
هذا وصل اللهم وسلم علىٰ نبينا محمد.
تعليقات
إرسال تعليق