تنبيه علىٰ نسبة ابن حبان للسنة...
بسم اللَّه والصلاة والسلام علىٰ رسول اللَّه، وبعد:
فقد قالَ عادل آل حمدان في حاشية السنة لحرب الكرماني متكلمًا عن حديث العماء لأبي رزين العقيلي:
” وذكرتُ تلقي أهلَ السنةِ لهذا الحديث بالقبولِ، وتصريحهم بتصحيحِهِ وقبولِهِ.
ومنهم: أبو عبيد القاسم بن سلام، والترمذي، وابن حبان، وابن القيم، وغيرهم حتىٰ قال الشيخ عبد اللطيف بن عبد الرحمن بن حسن في الدرر السنية: صححه الحفاظ وقبلوه. ”
قد أحسنَ الشيخ بتصحيحه الأثر وقبوله غير أن ذِكرهُ ابنَ حبانٍ في أهل السنة غلطٌ، فهو في صحيحه يتأولُ صفةَ الساقِ ردًّا لها.
ويقول في لفظ اليمين للَّهِ وغيره: (وَلَكِنْ أُطْلِقَتْ هَذِهِ الأَخْبَارُ بِأَلْفَاظِ التَّمْثِيلِ لِصِفَاتِهِ عَلَىٰ حَسْبِ مَا يَتَعَارَفُهُ النَّاسُ فِيمَا بَيْنَهُمْ دُونَ تَكْيِيفِ صِفَاتِ اللَّه، جَلَّ رَبُّنَا وتعالىٰ عَنْ أَنْ يُشَبَّهَ بِشَيْءٍ مِنَ الْمَخْلُوقِينَ)
وهذا واضِحٌ منه أنه لا يثبِتُ للَّهِ يمينًا.
وفي إثباتِهِ إذ هو أثبتَ من طريقةِ الكلابيةِ في الإثبات ما هو واضِحٌ، فقد قال بتثبيت عينين بغير حدقة، وسمع بلا أذنين.
وهذه طريقةٌ كلابيةٌ تجمع بين النفي والإثبات، وهي بدعةٌ، والأذنين لا تُنفَىٰ ولا تُثبَت إذ لا نص بنفيها ولا تثبيتها، وكذا الحدقةُ.
وقد ذكر شيخ الإسلام افي مجموع الفتاوىٰ ابنَ حبانٍ في اتباعِ ابن كلاب النافي لِقيامِ الأفعالِ باللَّهِ تعالىٰ.
وفي كلامه ما دل علىٰ نفيُّ حقيقة الفعل والنزولِ للَّه تعالىٰ إذ قالَ بنزولٍ من غير تحرُّكٍ ولا انتقالٍ.
وهذا باطِلٌ، فإن كل حي متحرِّكٌ فاعِلٌ، والحركةُ هي الفِعلُ، فمن لم يكن كذلك، فهو ميتٌ كما قال تعالىٰ عن الأصنامِ: (أموات غير أحياء)، إذ لم يكن لهم فِعلٌ ولا حركةٌ.
فكيف يكون اللَّهُ نازلًا بغير حركةٍ وفعلٍ؟، وكيف لا يفعَلُ وهو حيٌّ لا يموتُ؟
وقالَ أبُو سعيدٍ الدارمي في نقضه:
” فَإِنَّ أَمَارَةَ مَا بَيْنَ الحَيِّ، وَالمَيِّتِ التَّحَرُّكُ، وَمَا لَا يَتَحَرَّكُ فَهُوَ مَيِّتٌ، لَا يُوصَفُ بِحَيَاةٍ، كَمَا وَصَفَ اللَّه تَعَالَىٰ الأَصْنَامَ المَيِّتَةَ فَقَالَ: (وَالَّذِينَ يَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ لَا يَخْلُقُونَ شَيْئًا وَهُمْ يُخْلَقُونَ (٢٠) أَمْوَاتٌ غَيْرُ أَحْيَاءٍ وَمَا يَشْعُرُونَ أَيَّانَ يُبْعَثُونَ)
فَاللَّهُ الحَيُّ القَيُّومُ القَابِضُ البَاسِطُ، يَتَحَرَّكُ إِذَا شَاءَ، وَيَفْعَلُ مَا يَشَاءُ بِخِلَافِ الأَصْنَامِ المَيِّتَةِ الَّتِي لَا تَزُولُ حَتَّىٰ تُزَالَ. ”
وقالَ البخاريُّ في خلق أفعال العباد:
” وَلَقَدْ بَيَّنَ نُعَيْمُ بْنُ حَمَّادٍ أَنَّ كَلَامَ الرَّبِّ لَيْسَ بِخَلْقٍ، وَأَنَّ الْعَرَبَ لَا تَعْرِفُ الْحَيَّ مِنَ الْمَيِّتِ إِلَّا بِالْفِعْلِ، فَمَنْ كَانَ لَهُ فِعْلٌ فَهُوَ حَيٌّ وَمَنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ فِعْلٌ فَهُوَ مَيِّتٌ. ”
هذا وقد استثكرَ بعضُ المعطلةِ، فأدخلوا ابنَ حبانٍ في الأشعرية لما رأوه يعطِّلُ صِفةً هاهنا وصِفةً هاهنا.
وهذا سفهٌ، فإنه واضحُ الذم لمرجئةِ الفقهاءِ ممن أدخلوا القولَ في مسمىٰ الإيمان حتىٰ قد أخرجهم من السنة، واستحب ترك الرواية عن دعاتهم.
فكيف يكون أشعريًّا والأشاعرة مرجئة غلاة لا يرون القول من الإيمان؟
وقد قالَ في الثقات:
” خلف بن أَيُّوب الْبَلْخِي أَبُو سعيد، يروي عَن إِسْرَائِيل وأبي مُعَاوِيَة، روىٰ عَنهُ أهل بَلَده، وَكَانَ مرجئًا غاليًا فِيهِ، اسْتحبَّ مجانبة حَدِيثه لتعصبه فِي الأرجاء، وبغضه من ينتحل السّنَن وقمعه إيَّاهُم جهده. ”
فاستحب ترك حديث المرجئ الداعية.
وقالَ:
” إِبْرَاهِيم بن يُوسُف بن مَيْمُون الْبَاهِلِيّ الْبَلْخِي الماكياني أَبُو إِسْحَاق
وَكَانَ ظَاهر مذْهبه الإرجاء، واعتقاده فِي الْبَاطِن السّنة.
سَمِعت أَحْمد بن مُحَمَّد بن الْفضل، يَقُول: سَمِعت مُحَمَّد بن دَاوُد الفوعي، يَقُول: حَلَفت أَن لَا أكتب إِلَّا مِمَّن يَقُول الْإِيمَان قَول وَعمل، فَأتيت إِبْرَاهِيم بن يُوسُف، فَأَخْبَرته، فَقَالَ: أكتب عَني، فَإِنِّي أَقُول الْإِيمَان قَول وَعمل. ”
يريد أنه حنفيٌّ، والأحنافُ مرجئِةٌ، فكان في الظاهرِ مرجِئًا إذ كان حنفيًّا، وفي الباطنِ علىٰ السنة.
وإذا كان اعتقاد مرجئة الفقهاء الأحناف ليس هو السنة عند ابن حبانٍ، فكيف بمرجئِةِ الأشعرية؟
هذا وصل اللهم وسلم علىٰ نبينا محمد
تعليقات
إرسال تعليق