فائدة في تفسير قوله: (ما ننسخ من آية أو ننسها)
قالَ أبُو جعفرٍ الطبري في تفسيرِهِ:
” [ ١٧٥٥ ] - حدثني يعقوبُ بن إبراهيمَ، قالَ' حدثنا هشيمٌ، قالَ: أخبرنا يعلىٰ بن عطاء، عن القاسم بن ربيعة، قالَ: سمعت سعد بن أبي وقاص، يقول: (ما ننسخ من آية أو تَنسَها)
قلت له: فإن سعيد بن المسيب يقرؤها: (أو تُنْسَها)
قالَ: فقال سعد: إن القرآن لم ينزل علىٰ المسيب، ولا علىٰ آل المسيب!.
قال اللَّه: (سَنُقْرِئُكَ فَلا تَنْسَىٰ)، (وَاذْكُرْ رَبَّكَ إِذَا نَسِيتَ) ”
يعلىٰ بن عطاء العامري ثقةٌ مشهورٌ، وهو من رجال مسلم، وقد ود عبدُ اللَّهِ بن عمر أن لو كان نافعٌ مولاه يحفظ حفظه.
وروىٰ عبدُ اللَّهِ بن أحمد في العلل عَن أبي الوليد الطيالسي، أنا شعبة، عن يعلىٰ، قالَ - يعني شعبة -: كان يحدثني، عن أبيه فيرسله، لا يرويه عن أحد.
وهذا من دلائل ضبطه وحفظه لأنه يميز بين المُرسَل وغيره، فلا يصل المُرسَل المُنقطِعَ علىٰ أبيه، فيجعله موصولًا إلىٰ النبي ﷺ أو أحد أصحابه.
وهذا يعني أنه يحفظ حديثه ما كان منه كذا وما كان منه كذا.
وأما القاسم فهو ابن عبدِ اللَّه بن ربيعة، ويُنسَب لجده فيقال: القاسم بن ربيعة، وهو ثقفي لم يروِ عنه إلا يعلىٰ فيما ذُكِر، وروىٰ عن سعد.
وليس هو بالقاسم بن الجوشن، ذاك غطفانيٌّ، روىٰ عن ابن عمر، وروىٰ عنه البصريون كخالد الحذاء وأيوب.
وفي أول الأمر ظننت القاسم بن ربيعة مجهولًا في حاله غير أن قيل الطبري قبل إسناده الأثار عن القاسم عن سعد:
” وكذلك كان سعد بن أبي وقاص يتأول الآية، إلا أنه كان يقرؤها: (أو تَنسها)، بمعنىٰ الخطاب لرسول اللَّهِ ﷺ، كأنه عنىٰ أو تنسها أنت يا محمد، ذكر الأخبار بذلك ... ”
فثبَّت القراءة عن سعد، وهذا منه تصحيح للأثر عن سعد قاضٍ بتوثيق القاسم عنده.
والآية أتت فيها قراءاتُ عِدة، وهي دالةٌ علىٰ النسخ أي نسخ الآيات وتبديلها ورفعها في الحكم دون التلاوة أو التلاوة دون الحكم أو في الاثنين.
وقُرِئَت الآية هكذا: (أو نُنسِها)، من الإنساء أي ما ننسخ من آية فنبدل حكمها ونبقي تلاوتها أو ننسيك إياها فنبدل تلاوتها نأتي بخير منها
وقرأها سعد هكذا: (تَنسَها)، أي ما ننسخ من آية فنبدل حكمها أو تنسَاها أنت يا محمد فننسخ تلاوتها نأتي بخير منها.
ومعنىٰ القراءتين قريبٌ، فإن اللَّه تعاىىٰ إن أنسىٰ نبيه ﷺ شيئًا فقد نسيه.
وذِكرُ سعد لقوله تعالىٰ: (واذكر ربك إذا نسيت)، استدلالًا علىٰ صحة قراءته
ذلك دالٌّ علىٰ أن النسيان في الآية عنده بمعناه المعروف علىٰ وجه أن النبي ﷺ مأمور بذكر ربه إذا أنساه ما شاء من القرآن فنسخ تلاوته.
والآية فيها غير وجه من التفسير غير أن تفسير سعد لها علىٰ ذاك الوجه عزيز، ولا يكاد يُذكَر.
فإن قيل: أفنسي ﷺ بعض القرآن؟
قيل: بلىٰ علىٰ وجه أنه تعالىٰ نسخ تلاوتها فأنساها نبيه ﷺ
قال تعالىٰ: (سَنُقرِئُكَ فَلا تَنسىٰ ٦ إِلّا ما شاءَ اللَّهُ إِنَّهُ يَعلَمُ الجَهرَ وَما يَخفَىٰ)
فمن القرآن ما قد أنساه اللَّه نبيه ﷺ، فنسيه: (إنه يعلم الجهر)، من قولك وقراءتك ما لم ننسخه من القرآن، و: (ما يخفىٰ)، من قراءتك ما قد نُسِخَ، فخفي عليك قراءته ونسيته.
وصل اللهم وسلم علىٰ نبينا محمد
تعليقات
إرسال تعليق